بورك ، وفي الكلام حذف ، والتقدير : فألقاها من يده فصارت حية (فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌ) قال الزجاج : صارت العصا تتحرك كما يتحرّك الجانّ ، وهي الحية البيضاء ، وإنما شبهها بالجانّ في خفة حركتها ، وشبهها في موضع آخر بالثعبان لعظمها ، وجمع الجانّ : جنان ، وهي الحية الخفيفة الصغيرة الجسم. وقال الكلبي : لا صغيرة ، ولا كبيرة (وَلَّى مُدْبِراً) من الخوف (وَلَمْ يُعَقِّبْ) أي : لم يرجع ، يقال : عقب فلان إذا رجع ، وكل راجع معقب ، وقيل : لم يقف ولم يلتفت. والأوّل : أولى ، لأن التعقيب هو الكرّ بعد الفرّ ، فلما وقع منه ذلك قال الله سبحانه : (يا مُوسى لا تَخَفْ) أي : من الحية وضررها (إِنِّي لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ) أي : لا يخاف عندي من أرسلته برسالتي ، فلا تخف أنت. قيل : ونفي الخوف عن المرسلين ليس في جميع الأوقات ، بل في وقت الخطاب لهم ، لأنهم إذ ذاك مستغرقون. ثم استثنى استثناء منقطعا فقال : (إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ) أي : لكن من أذنب في ظلم نفسه بالمعصية (ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً) أي : توبة وندما (بَعْدَ سُوءٍ) أي : بعد عمل سوء (فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ) وقيل : الاستثناء من مقدّر محذوف ، أي : لا يخاف لديّ المرسلون ، وإنما يخاف غيرهم ممن ظلم. إلا من ظلم ثم بدل إلخ. كذا قال الفراء. قال النحاس : الاستثناء من محذوف محال ، لأنه استثناء من شيء لم يذكر. وروي عن الفراء أنه قال : إلا بمعنى الواو. وقيل : إن الاستثناء متصل من المذكور ، لا من المحذوف. والمعنى : إلا من ظلم من المرسلين ، بإتيان الصغائر التي لا يسلم منها أحد ، واختار هذا النحاس ، وقال : علم من عصى منهم ، فاستثناه فقال : إلا من ظلم ، وإن كنت قد غفرت له كآدم وداود وإخوة يوسف وموسى بقتله القبطيّ. ولا مانع من الخوف بعد المغفرة ، فإن نبينا صلىاللهعليهوسلم الذي غفر الله له ما تقدّم من ذنبه ، وما تأخر كان يقول : وددت أني شجرة تعضد (وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ) المراد بالجيب هو المعروف ، وفي القصص (اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ) (١) وفي أدخل من المبالغة ما لم يكن في اسلك (تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ) أي : من غير برص ، أو نحوه من الآفات ، فهو احتراس. وقوله : «تخرج» جواب أدخل يدك. وقيل : في الكلام حذف تقديره : أدخل يدك تدخل ، وأخرجها تخرج ، ولا حاجة لهذا الحذف ، ولا ملجئ إليه. قال المفسرون : كانت على موسى مدرعة من صوف لا كمّ لها ولا إزار ، فأدخل يده في جيبه وأخرجها فإذا هي تبرق كالبرق ، وقوله : (فِي تِسْعِ آياتٍ) قال أبو البقاء : هو في محل نصب على الحال من فاعل تخرج ، وفيه بعد. وقيل : متعلق بمحذوف ، أي : اذهب في تسع آيات. وقيل : متعلق بقوله : ألق عصاك ، وأدخل يدك في جملة تسع آيات ، أو مع تسع آيات. وقيل المعنى : فهما آيتان من تسع ، يعني : العصا واليد ، فتكون الآيات إحدى عشرة : هاتان ، والفلق ، والطوفان ، والجراد ، والقمل ، والضفادع ، والدم ، والطمسة ، والجدب في بواديهم ، والنقصان في مزارعهم. قال النحاس : أحسن ما قيل فيه : أن هذه الآية ، يعني اليد داخلة في تسع آيات ، وكذا قال المهدوي ، والقشيري. قال القشيري : تقول خرجت في عشرة نفر ، وأنت أحدهم ، أي :
__________________
(١). القصص : ٣٢.