خرجت عاشر عشرة ، ففي بمعنى من لقربها منها كما تقول خذ لي عشرا من الإبل فيها فحلان ، أي : منها. قال الأصمعي في قول امرئ القيس :
وهل ينعمن من كان آخر عهده |
|
ثلاثين شهرا في ثلاثة أحوال |
في : بمعنى من ، وقيل : في بمعنى مع (إِلى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ) قال الفراء : في الكلام إضمار ، أي : إنك مبعوث ، أو مرسل إلى فرعون وقومه ، وكذا قال الزجاج : (إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ) الجملة تعليل لما قبلها (فَلَمَّا جاءَتْهُمْ آياتُنا مُبْصِرَةً) أي : جاءتهم آياتنا التي على يد موسى حال كونها مبصرة ، أي : واضحة بينة ، كأنها لفرط وضوحها تبصر نفسها كقوله : (وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً) قال الأخفش : ويجوز أن تكون بمعنى مبصرة ، على أن اسم الفاعل بمعنى اسم المفعول ، وقد تقدّم تحقيق الكلام في هذا. وقرأ علي بن الحسين وقتادة مبصرة بفتح الميم والصاد ، أي : مكانا يكثر فيه التبصر ، كما يقال : الولد مجبنة ومبخلة (قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ) أي : لما جاءتهم قالوا هذا القول ، أي : سحر واضح (وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ) أي : كذبوا بها حال كون أنفسهم مستيقنة لها ، فالواو للحال ، وانتصاب (ظُلْماً وَعُلُوًّا) على الحال ، أي : ظالمين عالين ، ويجوز أن ينتصبا على العلة ، أي : الحامل لهم على ذلك الظلم والعلوّ ، ويجوز أن يكونا نعت مصدر محذوف ، أي : جحدوا بها جحودا ، ظلما وعلوا. قال أبو عبيدة : والباء في «وجحدوا بها» زائدة ، أي : وجحدوها. قال الزجاج : التقدير : وجحدوا بها ظلما وعلوّا ، أي : شركا وتكبرا عن أن يؤمنوا بما جاء به موسى ، وهم يعلمون أنها من عند الله (فَانْظُرْ) يا محمد (كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ) أي : تفكر في ذلك فإن فيه معتبرا للمعتبرين ، وقد كان عاقبة أمرهم الإغراق لهم في البحر على تلك الصفة الهائلة.
وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس في قوله : (فَلَمَّا جاءَها نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ) يعني تبارك وتعالى نفسه ، كان نور ربّ العالمين في الشجرة (وَمَنْ حَوْلَها) يعني الملائكة. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه في الآية قال : كان الله في النور ، نودي من النور (وَمَنْ حَوْلَها) قال : الملائكة. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عنه أيضا قال : ناداه الله وهو في النور. وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن المنذر عنه أيضا (أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ) قال : بوركت النار. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة قال : في مصحف أبي بن كعب «بوركت النار ومن حولها» أما النار فيزعمون أنها رب العالمين. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس (أَنْ بُورِكَ) قال : قدّس. وأخرج عبد بن حميد وابن ماجة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة والبيهقي في الأسماء والصفات من طريق أبي عبيدة عن أبي موسى الأشعري قال : قام فينا رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : «إنّ الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام ، يخفض القسط ويرفعه ، يرفع إليه عمل اللّيل قبل النّهار وعمل النّهار قبل الليل ، حجابه النّور لو رفع لأحرقت سبحات وجهه كلّ شيء أدركه بصره.