عني ، حتى لا أنفك شاكرا لك ، انتهى. قال الواحدي : أوزعني أي : ألهمني أن أشكر نعمتك التي أنعمت عليّ ، يقال : فلان موزع بكذا ، أي : مولع به ، انتهى. قال القرطبي : وأصله من وزع ، فكأنه قال : كفني عما يسخطك انتهى. والمفعول الثاني لأوزعني هو : أن أشكر نعمتك التي أنعمت عليّ. وقال الزجاج : إن معنى أوزعني : امنعني أن أكفر نعمتك ، وهو تفسير باللازم ، ومعنى وعلى والديّ : الدعاء منه بأن يوزعه الله شكر نعمته على والديه ، كما أوزعه شكر نعمته عليه ، فإن الإنعام عليهما إنعام عليه ، وذلك يستوجب الشكر منه لله سبحانه ، ثم طلب أن يضيف الله له لواحق نعمه إلى سوابقها ، ولا سيما النعم الدينية ، فقال : (وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ) أي : عملا صالحا ترضاه مني ، ثم دعا أن يجعله الله سبحانه في الآخرة داخلا في زمرة الصالحين ، فإن ذلك هو الغاية التي يتعلق الطلب بها ، فقال : (وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَ الصَّالِحِينَ) والمعنى : أدخلني في جملتهم ، وأثبت اسمي في أسمائهم ، واحشرني في زمرتهم إلى دار الصالحين ، وهي الجنة ، اللهم وإني أدعوك بما دعاك به هذا النبيّ الكريم فتقبل ذلك مني وتفضل عليّ به ، فإني وإن كنت مقصرا في العمل ففضلك هو سبب الفوز بالخير ، فهذه الآية منادية بأعلى صوت ، وأوضح بيان بأن دخول الجنة التي هي دار المؤمنين بالتفضل منك ، لا بالعمل منهم كما قال رسولك الصادق المصدوق فيما ثبت عنه في الصحيح «سدّدوا وقاربوا واعلموا أنه لن يدخل أحد الجنّة بعمله ، قالوا : ولا أنت يا رسول الله؟ قال ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته» إذا لم يكن إلا تفضلك الواسع فترك طلبه منك عجز ، والتفريط في التوسل إليك بالإيصال إليه تضييع ، ثم شرع سبحانه في ذكر قصة بلقيس ، وما جرى بينها وبين سليمان ، وذلك بدلالة الهدهد فقال : (وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ) التفقد : تطلب ما غاب عنك وتعرّف أحواله ، والطير : اسم جنس لكل ما يطير ، والمعنى : أنه تطلب ما فقد من الطير ، وتعرف حال ما غاب منها ، وكانت الطير تصحبه في سفره ، وتظله بأجنحتها (فَقالَ ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كانَ مِنَ الْغائِبِينَ) أي : ما للهدهد لا أراه؟ فهذا الكلام من الكلام المقلوب الذي تستعمله العرب كثيرا ، وقيل : لا حاجة إلى ادّعاء القلب ، بل هو استفهام عن المانع له من رؤية الهدهد ، كأنه قال : مالي لا أراه هل ذلك لساتر يستره عني ، أو لشيء آخر؟ ثم ظهر له أنه غائب فقال : أم كان من الغائبين ، وأم هي المنقطعة التي بمعنى الإضراب ، قرأ ابن كثير وابن محيصن وهشام وأيوب «مالي» بفتح الياء ، وكذلك قرءوا في يس (وَما لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي) (١) بفتح الياء وقرأ بإسكانها في الموضعين حمزة والكسائي ويعقوب ، وقرأ الباقون بفتح التي في يس ، وإسكان التي هنا. قال أبو عمرو : لأن هذه التي هنا استفهام ، والتي في يس نفي ، واختار أبو حاتم وأبو عبيد الإسكان (لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ).
اختلفوا في هذا العذاب الشديد ما هو؟ فقال مجاهد وابن جريج : هو أن ينتف ريشه جميعا. وقال يزيد ابن رومان : هو أن ينتف ريش جناحيه ، وقيل : هو أن يحبسه مع أضداده ، وقيل : أن يمنعه من خدمته ، وفي هذا دليل على أن العقوبة على قدر الذنب ، لا على قدر الجسد. وقوله عذابا اسم مصدر أو مصدر على
__________________
(١). يس : ٢٢.