عَرْشٌ عَظِيمٌ) أي : سرير عظيم ، ووصفه بالعظم لأنه كما قيل كان من ذهب ، طوله ثمانون ذراعا ، وعرضه أربعون ذراعا ، وارتفاعه في السماء ثلاثون ذراعا ، مكلل بالدر والياقوت الأحمر ، والزبرجد الأخضر. وقيل : المراد بالعرش هنا الملك ، والأوّل : أولى لقوله : (أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِها) قال ابن عطية : واللازم من الآية أنها امرأة ملكة على مدائن اليمن ، ذات ملك عظيم وسرير عظيم ، وكانت كافرة من قوم كفار (وَجَدْتُها وَقَوْمَها يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللهِ) أي : يعبدونها متجاوزين عبادة الله سبحانه ، قيل : كانوا مجوسا ، وقيل : زنادقة (وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ) التي يعملونها ، وهي عبادة الشمس وسائر أعمال الكفر (فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ) أي : صدهم الشيطان بسبب ذلك التزيين عن الطريق الواضح ، وهو الإيمان بالله وتوحيده (فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ) إلى ذلك (أَلَّا يَسْجُدُوا) قرأ الجمهور بتشديد «ألا». قال ابن الأنباري : الوقف على فهم لا يهتدون غير تامّ عند من شدّد ألا ، لأنَّ المعنى : وزين لهم الشيطان ألا يسجدوا. قال النحاس : هي أن دخلت عليها لا ، وهي في موضع نصب. قال الأخفش : أي زين لهم أن لا يسجدوا لله بمعنى لئلا يسجدوا لله. وقال الكسائي : هي في موضع نصب يصدّهم ، أي : فصدّهم ألا يسجدوا بمعنى لئلا يسجدوا ، فهو على الوجهين مفعول له. وقال اليزيدي : إنه بدل من أعمالهم في موضع نصب. وقال أبو عمرو : في موضع خفض على البدل من السبيل. وقيل : العامل فيها : لا يهتدون ، أي : فهم لا يهتدون أن يسجدوا لله ، وتكون (لا) على هذا زائدة كقوله : (ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ) وعلى قراءة الجمهور ليس هذه الآية موضع سجدة ، لأن ذلك إخبار عنهم بترك السجود : إما بالتزيين أو بالصدّ أو بمنع الاهتداء ، وقد رجح كونه علة للصدّ الزجاج ، ورجح الفراء كونه علّة لزيّن ، قال : زين لهم أعمالهم لئلا يسجدوا ، ثم حذفت اللام. وقرأ الزهري والكسائي بتخفيف «ألّا». قال الكسائي : ما كنت أسمع الأشياخ يقرءونها إلا بالتخفيف على نية الأمر ، فتكون «ألا» على هذه القراءة حرف تنبيه واستفتاح وما بعدها حرف نداء ، واسجدوا فعل أمر ، وكان حق الخط على هذه القراءة أن يكون هكذا «ألا يا اسجدوا» ، ولكن الصحابة رضي الله عنهم أسقطوا الألف من يا وهمزة الوصل من اسجدوا ووصلوا الياء بسين اسجدوا ، فصارت صورة الخط ألا يسجدوا ، والمنادى محذوف ، وتقديره : ألا يا هؤلاء اسجدوا ، وقد حذفت العرب المنادى كثيرا في كلامها ، ومنه قول الشاعر :
ألا يا اسلمي يا دارميّ على البلى |
|
ولا زال منهلّا بجرعائك القطر |
وقول الآخر :
ألا يا اسلمي ثم اسلمي ثمّت اسلمي |
|
ثلاث تحيّات وإن لم تكلّم |
وقول الآخر أيضا :
أر يا اسلمي يا هند هند بني بكر
وهو كثير في أشعارهم. قال الزجاج : وقراءة التخفيف تقتضي وجوب السجود دون قراءة التشديد ،