التي يكون بها الإدراك ، وعمون جمع عم : وهو من كان أعمى القلب ، والمراد بيان جهلهم بها على وجه لا يهتدون إلى شيء ، مما يوصل إلى العلم بها ، فمن قال : إن معنى الآية الأولى أعني (بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ) أنه كمل علمهم وتمّ مع المعاينة ، فلا بدّ من حمل قوله : (بَلْ هُمْ فِي شَكٍ) إلخ على ما كانوا عليه في الدنيا ، ومن قال : إن معنى الآية الأولى الاستهزاء بهم ، والتبكيت لهم لم يحتج إلى تقييد قوله : (بَلْ هُمْ فِي شَكٍ) إلخ بما كانوا عليه في الدنيا. وبهذا يتضح معنى هذه الآيات ويظهر ظهورا بينا.
وقد أخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد والبزار وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : (وَسَلامٌ عَلى عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى). قال : هم أصحاب محمد صلىاللهعليهوسلم اصطفاهم الله لنبيه ، وروي مثله عن سفيان الثوري. والأولى : ما قدمناه من التعميم ، فيدخل في ذلك أصحاب نبينا صلىاللهعليهوسلم دخولا أوليا. وأخرج أحمد وأبو داود والنسائي والطبراني عن رجل من بلجهم قال : قلت : يا رسول الله إلى ما تدعو؟ قال : «أدعو الله وحده الذي إن مسّك ضرّ فدعوته كشفه عنك» هذا طرف من حديث طويل. وقد رواه أحمد من وجه آخر ، فبين اسم الصحابي فقال : حدّثنا عفان ، حدّثنا حماد بن سلمة ، حدّثنا يونس ، حدّثنا عبيد بن عبيدة الهجيمي عن أبيه عن أبي تميمة الهجيمي عن جابر بن سليم الهجيمي. ولهذا الحديث طرق عند أبي داود والنسائي. وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما من حديث عائشة قالت : «ثلاث من تكلّم بواحدة منهم ، فقد أعظم على الله الفرية» وقالت في آخره : «ومن زعم أنّه يخبر النّاس بما يكون في غد ، فقد أعظم على الله الفرية ، والله تعالى يقول : (قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللهُ). وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس (بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ) قال : حين لا ينفع العلم. وأخرج أبو عبيد في فضائله وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عنه أنه قرأ «بل أدرك علمهم في الآخرة» قال : لم يدرك علمهم. قال أبو عبيد : يعني أنه قرأها بالاستفهام. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضا «بل أدرك علمهم في الآخرة» يقول : غاب علمهم.
(وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَإِذا كُنَّا تُراباً وَآباؤُنا أَإِنَّا لَمُخْرَجُونَ (٦٧) لَقَدْ وُعِدْنا هذا نَحْنُ وَآباؤُنا مِنْ قَبْلُ إِنْ هذا إِلاَّ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (٦٨) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ (٦٩) وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (٧٠) وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٧١) قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ (٧٢) وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ (٧٣) وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ ما تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَما يُعْلِنُونَ (٧٤) وَما مِنْ غائِبَةٍ فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِلاَّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ (٧٥) إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (٧٦) وَإِنَّهُ لَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (٧٧) إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ (٧٨) فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ (٧٩) إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (٨٠) وَما أَنْتَ بِهادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلاَّ مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا فَهُمْ مُسْلِمُونَ (٨١) وَإِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كانُوا بِآياتِنا لا يُوقِنُونَ (٨٢))