يسمع الدعاء إذا كان مقبلا ، فكيف إذا كان معرضا عنه موليا مدبرا. وظاهر نفي إسماع الموتى العموم ، فلا يخصّ منه إلا ما ورد بدليل ، كما ثبت في الصحيح أنه صلىاللهعليهوسلم خاطب القتلى في قليب بدر ، فقيل له : يا رسول الله! إنما تكلم أجساد لا أرواح لها ، وكذلك ما ورد من أن الميت يسمع خفق نعال المشيعين له إذا انصرفوا. وقرأ ابن محيصن وحميد وابن كثير وابن أبي إسحاق «لا يسمع» بالتحتية مفتوحة وفتح الميم ، وفاعله الصمّ. وقرأ الباقون «تسمع» بضم الفوقية ، وكسر الميم من أسمع. قال قتادة الأصمّ إذا ولى مدبرا ثم ناديته لم يسمع ، كذلك الكافر لا يسمع ما يدعى إليه من الإيمان. ثم ضرب العمى مثلا لهم فقال : (وَما أَنْتَ بِهادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ) أي : ما أنت بمرشد من أعماه الله عن الحق إرشادا يوصله إلى المطلوب منه وهو الإيمان ، وليس في وسعك ذلك ، ومثله قوله : (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ) (١) قرأ الجمهور بإضافة هادي إلى العمى. وقرأ يحيى بن الحارث وأبو حيان «بهاد العمي» بتنوين هاد. وقرأ حمزة «تهدي» فعلا مضارعا ، وفي حرف عبد الله «وما أن تهدي العمي» (إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا) أي : ما تسمع إلا من يؤمن لا من يكفر ، والمراد بمن يؤمن بالآيات من يصدّق القرآن ، وجملة (فَهُمْ مُسْلِمُونَ) تعليل للإيمان ، أي : فهم منقادون مخلصون. ثم هدّد العباد بذكر طرف من أشراط الساعة وأهوالها : فقال : (وَإِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ).
واختلف في معنى وقوع القول عليهم ، فقال قتادة : وجب الغضب عليهم. وقال مجاهد : حق القول عليهم بأنهم لا يؤمنون ، وقيل : حق العذاب عليهم ، وقيل : وجب السخط ، والمعاني متقاربة. وقيل : المراد بالقول ما نطق به القرآن من مجيء الساعة ، وما فيها من فنون الأهوال التي كانوا يستعجلونها ، وقيل : وقع القول بموت العلماء وذهاب العلم ، وقيل : إذا لم يأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر. والحاصل أن المراد بوقع : وجب ، والمراد بالقول : مضمونه ، أو أطلق المصدر على المفعول ، أي : القول ، وجواب الشرط (أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ).
واختلف في هذه الدابة على أقوال ، فقيل : إنها فصيل ناقة صالح يخرج عند اقتراب القيامة ويكون من أشراط الساعة. وقيل : هي دابة ذات شعر ، وقوائم طوال ، يقال لها الجساسة. وقيل : هي دابة على خلقة بني آدم ، وهي في السحاب وقوائمها في الأرض. وقيل : رأسها رأس ثور ، وعينها عين خنزير ، وأذنها أذن فيل ، وقرنها قرن إيّل ، وعنقها عنق نعامة ، وصدرها صدر أسد ، ولونها لون نمر وخاصرتها خاصرة هر ، وذنبها ذنب كبش ، وقوائمها قوائم بعير ، بين كل مفصل ومفصل اثنا عشر ذراعا. وقيل : هي الثعبان المشرف على جدار الكعبة التي اقتلعها العقاب ، حين أرادت قريش بناء الكعبة ، والمراد أنها هي التي تخرج في آخر الزمان ، وقيل : هي دابة ما لها ذنب ولها لحية ، وقيل : هي إنسان ناطق متكلم يناظر أهل البدع ويراجع الكفار ، وقيل : غير ذلك ممالا فائدة في التطويل بذكره ، وقد رجح القول الأوّل القرطبي في تفسيره.
واختلف من أيّ موضع تخرج؟ فقيل : من جبل الصفا بمكة ، وقيل : تخرج من جبل أبي قبيس. وقيل :
__________________
(١). القصص : ٥٦.