على أن الموصول صفة للبلدة ، ومعنى «حرّمها» جعلها حرما آمنا لا يسفك فيها دم ، ولا يظلم فيها أحد ، ولا يصطاد صيدها ، ولا يختلى خلاها (وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ) من الأشياء خلقا وملكا وتصرّفا ، أي : ولله كل شيء (وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) أي : المنقادين لأمر الله المستسلمين له بالطاعة ، وامتثال أمره ، واجتناب نهيه ، والمراد بقوله : «أن أكون» أن أثبت على ما أنا عليه (وَأَنْ أَتْلُوَا الْقُرْآنَ) أي : أداوم تلاوته وأواظب على ذلك. قيل : وليس المراد من تلاوة القرآن هنا إلا تلاوة الدعوة إلى الإيمان ، والأول أولى (فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ) لأن نفع ذلك راجع إليه ، أي : فمن اهتدى على العموم ، أو فمن اهتدى بما أتلوه عليه ، فعمل بما فيه من الإيمان بالله ، والعمل بشرائعه. قرأ الجمهور (وَأَنْ أَتْلُوَا) بإثبات الواو بعد اللام على أنه من التلاوة وهي القراءة ، أو من التلوّ ، وهو الاتباع. وقرأ عبد الله «وأن اتل» بحذف الواو أمرا له صلىاللهعليهوسلم كذا وجهه الفراء. قال النحاس : ولا نعرف أحدا قرأ هذه القراءة ، وهي مخالفة لجميع المصاحف (وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّما أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ) أي : ومن ضلّ بالكفر ، وأعرض عن الهداية ، فقل له : إنما أنا من المنذرين ، وقد فعلت بإبلاغ ذلك إليكم ، وليس عليّ غير ذلك. وقيل : الجواب محذوف ، أي : فوبال ضلاله عليه ، وأقيم إنما أنا من المنذرين مقامه لكونه كالعلة له (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ) على نعمه التي أنعم بها عليّ من النبوّة والعلم وغير ذلك ، وقوله : (سَيُرِيكُمْ آياتِهِ) هو من جملة ما أمر به النبي صلىاللهعليهوسلم أن يقوله ، أي : سيريكم الله آياته في أنفسكم ، وفي غيركم (فَتَعْرِفُونَها) أي : تعرفون آياته ، ودلائل قدرته ووحدانيته ، وهذه المعرفة لا تنفع الكفار ، لأنهم عرفوها حين لا يقبل منهم الإيمان ، وذلك عند حضور الموت. ثم ختم السورة بقوله : (وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) وهو كلام من جهته سبحانه ، غير داخل تحت الكلام الذي أمر النبي صلىاللهعليهوسلم أن يقوله ، وفيه ترهيب شديد ، وتهديد عظيم. قرأ أهل المدينة والشام وحفص عن عاصم «تعملون» بالفوقية على الخطاب ، وقرأ الباقون بالتحتية.
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : (داخِرِينَ) قال : صاغرين. وأخرج هؤلاء عنه في قوله : (وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً) قال : قائمة (صُنْعَ اللهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ) قال : أحكم. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه أيضا في قوله : (صُنْعَ اللهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ) قال : أحسن كل شيء خلقه ، وأوثقه. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن مردويه عن أبي هريرة عن النبي صلىاللهعليهوسلم : (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها) قال : هي لا إله إلا الله ، (وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ) قال : هي الشرك ، وإذا صحّ هذا عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فالمصير إليه في تفسير كلام الله سبحانه متعين ، ويحمل على أن المراد قال : لا إله إلا الله بحقها ، وما يجب لها ، فيدخل تحت ذلك كل طاعة ، ويشهد له ما أخرجه الحاكم في الكنى عن صفوان بن عسال قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إذا كان يوم القيامة : جاء الإيمان والشّرك يجثوان بين يدي الله سبحانه ، فيقول الله للإيمان : انطلق أنت وأهلك إلى الجنة ، ويقول للشرك : انطلق أنت وأهلك إلى النار ، ثم تلا رسول الله صلىاللهعليهوسلم (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها) يعني قول : لا إله إلا الله ، (وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ) يعني الشرك (فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ)». وأخرج ابن مردويه