أو منازلهم جاثمين على الركب ميتين (وَعاداً وَثَمُودَ) قال الكسائي : قال بعضهم هو راجع إلى أوّل السورة ، أي : (وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) ، وفتنا عادا وثمود ، قال : وأحبّ إليّ أن يكون على «فأخذتهم الرجفة» أي : وأخذت عادا وثمود. وقال الزجاج : التقدير وأهلكنا عادا وثمود ، وقيل المعنى : واذكر عادا وثمود ؛ إذ أرسلنا إليهم هودا وصالحا (وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَساكِنِهِمْ) أي : وقد ظهر لكم يا معاشر الكفار. مساكنهم بالحجر ، والأحقاف آيات بينات تتعظون بها ، وتتفكرون فيها ، ففاعل تبين : محذوف (وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ) التي يعملونها من الكفر ومعاصي الله (فَصَدَّهُمْ) بهذا التزيين (عَنِ السَّبِيلِ) أي : الطريق الواضح الموصل إلى الحق (وَكانُوا مُسْتَبْصِرِينَ) أي : أهل بصائر يتمكنون بها من معرفة الحق بالاستدلال. قال الفراء : كانوا عقلاء ذوي بصائر ، فلم تنفعهم بصائرهم ، وقيل المعنى : كانوا مستبصرين في كفرهم ، وضلالتهم معجبين بها يحسبون أنهم على هدى ، ويرون أن أمرهم حقّ ، فوصفهم بالاستبصار على هذا ، باعتبار ما عند أنفسهم (وَقارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهامانَ) قال الكسائي : إن شئت كان محمولا على «عادا» وكان فيه ما فيه ، وإن شئت كان على «فصدّهم عن السبيل» أي : وصدّ قارون ، وفرعون ، وهامان. وقيل التقدير : وأهلكنا هؤلاء بعد أن جاءتهم الرسل (فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ) عن عبادة الله (وَما كانُوا سابِقِينَ) أي : فائتين ، يقال سبق طالبه : إذا فاته : وقيل : وما كانوا سابقين في الكفر ، بل قد سبقهم إليه قرون كثيرة ، (فَكُلًّا أَخَذْنا بِذَنْبِهِ) أي : عاقبناه بكفره ، وتكذيبه. قال الكسائي : (فَكُلًّا أَخَذْنا) أي : فأخذنا كلا بذنبه (فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِ حاصِباً) أي : ريحا تأتي بالحصباء ، وهي الحصى الصغار فترجمهم بها ، وهم قوم لوط (وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ) وهم : ثمود ، وأهل مدين (وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنا بِهِ الْأَرْضَ) وهو قارون وأصحابه (وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنا) وهم قوم نوح وقوم فرعون (وَما كانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ) بما فعل بهم ، لأنه قد أرسل إليهم رسله ، وأنزل عليهم كتبه (وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) باستمرارهم على الكفر وتكذيبهم للرسل وعملهم بمعاصي الله.
وقد أخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : (وَتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ) قال : مجلسكم. وأخرج الفريابي ، وأحمد ، وعبد بن حميد ، والترمذي وحسنه ، وابن أبي الدنيا في كتاب الصمت ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والطبراني ، والحاكم وصححه ، وابن مردويه ، والبيهقي في الشعب ، وابن عساكر عن أمّ هانئ بنت أبي طالب قالت : سألت رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن قول الله سبحانه (وَتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ) قال : «كانوا يجلسون بالطريق فيحذفون أبناء السّبيل ، ويسخرون منهم». قال الترمذي بعد إخراجه وتحسينه : ولا نعرفه إلا من حديث حاتم بن أبي صغيرة عن سماك. وأخرج ابن مردويه ، عن جابر أن النبيّ صلىاللهعليهوسلم نهى عن الحذف ، وهو قول الله سبحانه (وَتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ). وأخرج ابن مردويه عن ابن عمر في الآية قال : هو الحذف. وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس مثله. وأخرج البخاري في تاريخه ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه عن عائشة في الآية قالت : الضّراط. وأخرج الفريابي ، وابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن جرير وابن المنذر ، وابن أبي حاتم في