الموصولة : إن الله يعلم الذين تدعونهم من دونه ، ويجوز أن تكون ما : مصدرية ، ومن شيء : عبارة عن المصدر. قرأ عاصم ، وأبو عمرو ، ويعقوب «يدعون» بالتحتية. واختار هذه القراءة أبو عبيد لذكر الأمم قبل هذه الآية. وقرأ الباقون بالفوقية على الخطاب (وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) الغالب المصدر أفعاله على غاية الإحكام ، والإتقان (وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ) أي : هذا المثل وغيره من الأمثال التي في القرآن ، نضربها للناس تنبيها لهم ، وتقريبا لما بعد من أفهامهم (وَما يَعْقِلُها) أي : يفهمها ويتعقل الأمر الذي ضربناها لأجله (إِلَّا الْعالِمُونَ) بالله الراسخون في العلم ، المتدبرون ، المتفكرون لما يتلى عليهم ، وما يشاهدونه (خَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِ) أي : بالعدل ، والقسط مراعيا في خلقها مصالح عباده. وقيل : المراد بالحق : كلامه وقدرته ، ومحل بالحق : النصب على الحال (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ) أي : لدلالة عظيمة ، وعلامة ظاهرة على قدرته ، وتفرّده بالإلهية ، وخص المؤمنين لأنهم الذين ينتفعون بذلك (اتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ) أي : القرآن ، وفيه الأمر بالتلاوة للقرآن ، والمحافظة على قراءته مع التدبر لآياته ، والتفكر في معانيه (وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ) أي : دم على إقامتها ، واستمرّ على أدائها كما أمرت بذلك ، وجملة «إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر» تعليل لما قبلها ، والفحشاء : ما قبح من العمل ، والمنكر : ما لا يعرف في الشريعة ، أي : تمنعه عن معاصي الله وتبعده منها ، ومعنى نهيها عن ذلك أن فعلها يكون سببا للانتهاء ، والمراد هنا : الصلوات المفروضة (وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ) أي : أكبر من كل شيء ، أي : أفضل من العبادات كلها بغير ذكر. قال ابن عطية : وعندي أن المعنى : ولذكر الله أكبر على الإطلاق ، أي : هو الذي ينهى عن الفحشاء والمنكر ، فالجزء الذي منه في الصلاة يفعل ذلك ، وكذلك يفعل ما لم يكن منه في الصلاة ، لأن الانتهاء لا يكون إلا من ذاكر لله ، مراقب له. وقيل : ذكر الله أكبر من الصلاة ، في النهي عن الفحشاء ، والمنكر ، مع المداومة عليه. قال الفراء وابن قتيبة : المراد بالذكر في الآية : التسبيح والتهليل ، يقول : هو أكبر ، وأحرى بأن ينهى عن الفحشاء والمنكر. وقيل : المراد بالذكر هنا الصلاة ، أي : وللصلاة أكبر من سائر الطاعات ، وعبر عنها بالذكر كما في قوله : (فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ) (١) للدلالة على أن ما فيها من الذكر : هو العمدة في تفضيلها على سائر الطاعات ، وقيل المعنى : ولذكر الله لكم بالثواب ، والثناء عليكم منه أكبر من ذكركم له في عبادتكم وصلواتكم ، واختار هذا ابن جرير ، ويؤيده حديث «من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ، ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم» (وَاللهُ يَعْلَمُ ما تَصْنَعُونَ) لا تخفى عليه من ذلك خافية ، فهو مجازيكم بالخير : خيرا ، وبالشرّ : شرّا (وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) أي : إلا بالخصلة التي هي أحسن ، وذلك على سبيل الدعاء لهم إلى الله عزوجل ، والتنبيه لهم على حججه وبراهينه ؛ رجاء إجابتهم إلى الإسلام ، لا على طريق الإغلاظ والمخاشنة (إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ) بأن أفرطوا في المجادلة ، ولم يتأدّبوا مع المسلمين ، فلا بأس بالإغلاظ عليهم ، والتخشين في مجادلتهم ، هكذا فسر الآية أكثر المفسرين ؛ بأن المراد بأهل الكتاب : اليهود ، والنصارى. وقيل معنى الآية : لا تجادلوا
__________________
(١). الجمعة : ٩.