الْعَذابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (٥٣) يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ (٥٤) يَوْمَ يَغْشاهُمُ الْعَذابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَيَقُولُ ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٥٥))
قوله : (وَكَذلِكَ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ) هذا خطاب لرسول الله صلىاللهعليهوسلم ، والإشارة إلى مصدر الفعل ؛ كما بيناه في مواضع كثيرة ، أي : ومثل ذلك الإنزال البديع أنزلنا إليك الكتاب ، وهو القرآن ، وقيل المعنى : كما أنزلنا الكتاب عليهم أنزلنا عليك القرآن (فَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ) يعني : مؤمني أهل الكتاب ؛ كعبد الله بن سلام ، وخصهم بإيتائهم الكتاب ؛ لكونهم العاملين به ، وكأن غيرهم لم يؤتوه لعدم عملهم بما فيه ، وجحدهم لصفات رسول الله صلىاللهعليهوسلم المذكورة فيه (وَمِنْ هؤُلاءِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ) الإشارة إلى أهل مكة ، والمراد أن منهم ؛ وهو من قد أسلم. من يؤمن به ، أي : بالقرآن ، وقيل : الإشارة إلى جميع العرب (وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا) أي : آيات القرآن (إِلَّا الْكافِرُونَ) المصممون على كفرهم من المشركين ؛ وأهل الكتاب (وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ) الضمير في قبله راجع إلى القرآن ؛ لأنه المراد بقوله : أنزلنا إليك الكتاب ؛ أي : ما كنت يا محمّد تقرأ قبل القرآن كتابا ، ولا تقدر على ذلك ؛ لأنك أمّي ؛ لا تقرأ ، ولا تكتب (وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ) أي : ولا تكتبه لأنك لا تقدر على الكتابة. قال مجاهد : كان أهل الكتاب يجدون في كتبهم أن محمّد صلىاللهعليهوسلم لا يخط ، ولا يقرأ ، فنزلت هذه الآية. قال النحاس : وذلك دليل على نبوّته لأنه لا يكتب ، ولا يخالط أهل الكتاب ، ولم يكن بمكة أهل كتاب ، فجاءهم بأخبار الأنبياء والأمم (إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ) أي : لو كنت ممن يقدر على التلاوة والخط لقالوا لعله وجد ما يتلوه علينا من كتب الله السابقة ، أو من الكتب المدوّنة في أخبار الأمم ، فلما كنت أميا لا تقرأ ، ولا تكتب ؛ لم يكن هناك موضع للريبة ، ولا محل للشك أبدا ، بل إنكار من أنكر ، وكفر من كفر ؛ مجرّد عناد ، وجحود بلا شبهة ، وسماهم مبطلين لأن ارتيابهم على تقدير أنه صلىاللهعليهوسلم يقرأ ويكتب ظلم منهم لظهور نزاهته ، ووضوح معجزاته (بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ) يعني : القرآن (فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) يعني : المؤمنين الذين حفظوا القرآن على عهده صلىاللهعليهوسلم ، وحفظوا بعده ، وقال قتادة ومقاتل : إن الضمير يرجع إلى النبي صلىاللهعليهوسلم ، أي : بل محمّد آيات بينات ، أي : ذو آيات. وقرأ ابن مسعود «بل هي آيات بينات» قال الفراء : معنى هذه القراءة : بل آيات القرآن آيات بينات ... واختار ابن جرير ما قاله قتادة ومقاتل ، وقد استدل لما قالاه بقراءة ابن السميقع «بل هذا آيات بيّنات» ولا دليل في هذه القراءة على ذلك ، لأن الإشارة يجوز أن تكون إلى القراءة كما جاز أن تكون إلى النبي صلىاللهعليهوسلم ، بل رجوعها إلى القرآن أظهر لعدم احتياج ذلك إلى التأويل ، والتقدير. (وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا الظَّالِمُونَ) أي : المجاوزون للحدّ في الظلم (وَقالُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آياتٌ مِنْ رَبِّهِ) أي : قال المشركون هذا القول ، والمعنى : هلا أنزلت عليه آيات كآيات الأنبياء ، وذلك كآيات موسى ، وناقة صالح ، وإحياء المسيح للموتى ، ثم أمره الله سبحانه أن يجيب عليهم فقال : (قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللهِ) ينزلها على من يشاء من عباده ، ولا قدرة لأحد على ذلك (وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ) أنذركم كما أمرت ، وأبين لكم كما