سورة الرّوم
قال القرطبي كلها مكية بلا خلاف وأخرج ابن الضريس ، والنحاس ، وابن مردويه ، والبيهقي في الدلائل من طرق عن ابن عباس قال : نزلت سورة الروم بمكة. وأخرج ابن مردويه عن ابن الزبير مثله. وأخرج عبد الرزاق وأحمد. قال السيوطي بسند حسن عن رجل من الصحابة : أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم صلّى بهم الصبح ، فقرأ فيها سورة الروم. وأخرج البزار عن الأغرّ المدني مثله. وأخرج عبد الرزاق عن معمر عن عبد الملك بن عمير أن النبي صلىاللهعليهوسلم قرأ في الفجر يوم الجمعة بسورة الروم. وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف ، وأحمد ، وابن قانع من طريق عبد الملك بن عمير مثل حديث الرجل الذي من الصحابة ، وزاد : يتردّد فيها ، فلما انصرف قال : «إنما يلبس علينا في صلاتنا قوم يحضرون الصلاة بغير طهور ، من شهد الصلاة فليحسن الطهور».
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(الم (١) غُلِبَتِ الرُّومُ (٢) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (٣) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (٤) بِنَصْرِ اللهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (٥) وَعْدَ اللهِ لا يُخْلِفُ اللهُ وَعْدَهُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٦) يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ (٧) أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ ما خَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلاَّ بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ لَكافِرُونَ (٨) أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوها أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوها وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (٩) ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا السُّواى أَنْ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ وَكانُوا بِها يَسْتَهْزِؤُنَ (١٠))
قد تقدّم الكلام على فاتحة هذه السورة في فاتحة سورة البقرة ، وتقدّم الكلام على محلها من الإعراب ، ومحل أمثالها في غير موضع من فواتح السور ، قرأ الجمهور (غُلِبَتِ الرُّومُ) بضم الغين المعجمة وكسر اللام مبنيا للمفعول ، وقرأ عليّ بن أبي طالب ، وأبو سعيد الخدري ، ومعاوية بن قرّة وابن عمر ، وأهل الشام بفتح الغين واللام مبنيا للفاعل. قال النحاس : قراءة أكثر الناس (غُلِبَتِ) بضم الغين وكسر اللام. قال أهل التفسير : غلبت فارس الروم ففرح بذلك كفار مكة وقالوا : الذين ليس لهم كتاب غلبوا الذين لهم كتاب ، وافتخروا على المسلمين وقالوا : نحن أيضا نغلبكم كما غلبت فارس الروم ، وكان المسلمون يحبون أن تظهر الروم على فارس لأنهم أهل كتاب. ومعنى (فِي أَدْنَى الْأَرْضِ) في أقرب أرضهم من أرض العرب ، أو في أقرب