وَما بَيْنَهُما) الهمزة للإنكار عليهم والواو للعطف على مقدّر كما في نظائره ، وفي أنفسهم ظرف للتفكر ، وليس مفعولا للتفكر والمعنى : أن أسباب التفكر حاصلة لهم ، وهي أنفسهم لو تفكروا فيها كما ينبغي ، لعلموا وحدانية الله ، وصدق أنبيائه ، وقيل : إنها مفعول للتفكر. والمعنى : أو لم يتفكروا في خلق الله إياهم ولم يكونوا شيئا ، و «ما» في «ما خلق الله» نافية ، أي : لم يخلقها إلا بالحق الثابت الذي يحق ثبوته أو هي اسم في محل نصب على إسقاط الخافض ، أي : بما خلق الله ، والعامل : إما العلم الذي يؤدي إليه التفكّر وقال الزجاج في الكلام حذف : أي فيعلموا ، فجعل ما معمولة للفعل المقدّر لا للعلم المدلول عليه ، والباء في (إِلَّا بِالْحَقِ) إما للسببية ، أو هي ومجرورها : في محل نصب على الحال ، أي : ملتبسة بالحق. قال الفراء : معناه إلا للحق ، أي : للثواب والعقاب ، وقيل : بالحق بالعدل ، وقيل : بالحكمة ، وقيل : بالحق ، أي : أنه هو الحق وللحق خلقها (وَأَجَلٍ مُسَمًّى) معطوف على الحق ، أي : وبأجل مسمى للسموات والأرض وما بينهما تنتهي إليه ، وهو يوم القيامة ، وفي هذا تنبيه على الفناء ، وأن لكل مخلوق أجلا لا يجاوزه. وقيل معنى : (وَأَجَلٍ مُسَمًّى) أنه خلق ما خلق في وقت سماه لخلق ذلك الشيء (وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ لَكافِرُونَ) أي : لكافرون بالبعث بعد الموت ، واللام هي المؤكدة ، والمراد بهؤلاء الكفار على الإطلاق ، أو كفار مكة (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ) الاستفهام للتقريع والتوبيخ ، لعدم تفكرهم في الآثار ، وتأملهم لمواقع الاعتبار ، والفاء في (فَيَنْظُرُوا) للعطف على يسيروا داخل تحت ما تضمنه الاستفهام من التقريع والتوبيخ ، والمعنى : أنهم قد ساروا وشاهدوا (كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) من طوائف الكفار الذين أهلكهم الله بسبب كفرهم بالله ، وجحودهم للحق ، وتكذيبهم للرسل ، وجملة (كانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً) مبينة للكيفية التي كانوا عليها ، وأنهم أقدر من كفار مكة ، ومن تابعهم على الأمور الدنيوية ، ومعنى (وَأَثارُوا الْأَرْضَ) حرثوها وقلبوها للزراعة ، وزاولوا أسباب ذلك ، ولم يكن أهل مكة أهل حرث (وَعَمَرُوها أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوها) أي : عمروها عمارة أكثر مما عمرها هؤلاء ، لأن أولئك كانوا أطول منهم أعمارا ، وأقوى أجساما ، وأكثر تحصيلا لأسباب المعاش. فعمروا الأرض بالأبنية ، والزراعة ، والغرس (وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ) أي : المعجزات ، وقيل : بالأحكام الشرعية (فَما كانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ) بتعذيبهم على غير ذنب (وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) بالكفر ، والتكذيب (ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا) أي : عملوا السيئات من الشرك والمعاصي (السُّواى) هي فعلى من السوء تأنيث الأسوأ ، وهو : الأقبح ، أي : كان عاقبتهم العقوبة التي هي أسوأ العقوبات ، وقيل : هي اسم لجهنم كما أن الحسنى اسم للجنة ، ويجوز أن تكون مصدرا كالبشرى ، والذكرى. وصفت به العقوبة مبالغة. قرأ نافع ، وابن كثير ، وأبو عمرو «عاقبة» بالرفع ، على أنها اسم كان ، وتذكير الفعل لكون تأنيثها مجازيا ، والخبر : السوأى ، أي : الفعلة ؛ أو الخصلة ؛ أو العقوبة السّوأى ، أو الخبر (أَنْ كَذَّبُوا) أي : كان آخر أمرهم التكذيب ، وقرأ الباقون : «عاقبة» بالنصب على خبر كان ، والاسم السّوأى ، أو أن كذبوا ، ويكون التقدير : ثم كان التكذيب عاقبة الذين أساؤوا ، والسوأى مصدر أساؤوا ، أو صفة لمحذوف. وقال الكسائي : إن قوله : (أَنْ كَذَّبُوا) في محل نصب على العلة ، أي : لأن