بيان لإعراضهم عن الحق بعد بيان كونهم كالأموات ، وكونهم صمّ الآذان ، وقد تقدّم تفسير هذا في سورة النمل. ثم وصفهم بالعمى فقال : (وَما أَنْتَ بِهادِ الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ) لفقدهم للانتفاع بالأبصار كما ينبغي ، أو لفقدهم للبصائر (إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا) أي : ما تسمع إلا هؤلاء لكونهم أهل التفكر ، والتدبر ، واستدلال بالآثار على المؤثر (فَهُمْ مُسْلِمُونَ) أي : منقادون للحق ؛ متبعون له (اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ) ذكر سبحانه استدلالا آخر على كمال قدرته ، وهو خلق الإنسان نفسه على أطوار مختلفة ، ومعنى من ضعف : من نطفة. قال الواحدي : قال المفسرون : من نطفة ، والمعنى : من ذي ضعف. وقيل : المراد حال الطفولية والصغر (ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً) وهي : قوّة الشباب ، فإنه إذ ذاك تستحكم القوّة ، وتشتدّ الخلقة إلى بلوغ النهاية (ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً) أي : عند الكبر والهرم (وَشَيْبَةً) الشيبة : هي تمام الضعف ، ونهاية الكبر. قرأ الجمهور «ضعف» بضم الضاد في هذه المواضع. وقرأ عاصم ، وحمزة بفتحها. وقرأ الجحدري بالفتح في الأوّلين ، والضم في الثالث. قال الفراء : الضم : لغة قريش ، والفتح : لغة تميم. قال الجوهري : الضعف : والضعف خلاف القوّة ، وقيل : هو بالفتح في الرأي ، وبالضم : في الجسم (يَخْلُقُ ما يَشاءُ) يعني : من جميع الأشياء ، ومن جملتها : القوّة والضعف في بني آدم (وَهُوَ الْعَلِيمُ) بتدبيره (الْقَدِيرُ) على خلق ما يريده ، وأجاز الكوفيون «من ضعف» بفتح الضاد ، والعين (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ) أي : القيامة ، وسميت ساعة : لأنها تقوم في آخر ساعة من ساعات الدنيا (يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ ما لَبِثُوا غَيْرَ ساعَةٍ) أي : يحلفون ما لبثوا في الدنيا ، أو في قبورهم غير ساعة ، فيمكن أن يكونوا استقلوا مدّة لبثهم ، واستقرّ ذلك في أذهانهم ، فحلفوا عليه ، وهم يظنون أن حلفهم مطابق للواقع. وقال ابن قتيبة : إنهم كذبوا في هذا الوقت كما كانوا يكذبون من قبل ، وهذا هو الظاهر لأنهم إن أرادوا لبثهم في الدنيا ، فقد علم كلّ واحد منهم مقداره ، وإن أرادوا لبثهم في القبور ، فقد حلفوا على جهالة إن كانوا لا يعرفون الأوقات في البرزخ (كَذلِكَ كانُوا يُؤْفَكُونَ) يقال أفك الرجل : إذا صرف عن الصدق ، فالمعنى : مثل ذلك الصرف كانوا يصرفون. وقيل : المراد يصرفون عن الحق ، وقيل : عن الخير ، والأوّل أولى ، وهو دليل على أن حلفهم كذب (وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ اللهِ إِلى يَوْمِ الْبَعْثِ) اختلف في تعيين هؤلاء الذين أوتوا العلم ، فقيل : الملائكة ، وقيل : الأنبياء ، وقيل : علماء الأمم ، وقيل : مؤمنو هذه الأمة ، ولا مانع من الحمل على الجميع. ومعنى في كتاب الله ، في علمه وقضائه. قال الزجاج : في علم الله المثبت في اللوح المحفوظ. قال الواحدي : والمفسرون حملوا هذا على التقديم ، والتأخير على تقدير : وقال الذين أوتوا العلم في كتاب الله ، وكان ردّ الذين أوتوا العلم عليهم باليمين للتأكيد ، أو للمقابلة لليمين باليمين ، ثم نبهوهم على طريقة التبكيت بأن (فَهذا) الوقت الذي صاروا فيه هو (يَوْمُ الْبَعْثِ وَلكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) أنه حق ، بل كنتم تستعجلونه تكذيبا واستهزاء (فَيَوْمَئِذٍ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ) أي : لا ينفعهم الاعتذار يومئذ ، ولا يفيدهم علمهم بالقيامة ، وقيل : لما ردّ عليهم المؤمنون ؛ سألوا الرجوع إلى الدنيا ، واعتذروا فلم يعذروا. قرأ الجمهور «لا تنفع» بالفوقية ، وقرأ عاصم ، وحمزة ، والكسائي بالتحتية (وَلا