هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ) يقال : استعتبته فأعتبني ، أي : استرضيته فأرضاني ، وذلك إذا كنت جانيا عليه ، وحقيقة أعتبته : أزلت عتبة ، والمعنى : أنهم لا يدعون إلى إزالة عتبهم من التوبة ، والطاعة كما دعوا إلى ذلك في الدنيا (وَلَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ) أي : من كلّ مثل من الأمثال التي تدلهم على توحيد الله ، وصدق رسله ، واحتججنا عليهم بكل حجة تدل على بطلان الشرك (وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ) من آيات القرآن الناطقة بذلك ، أو لئن جئتهم بآية ؛ كالعصا ، واليد (لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُبْطِلُونَ) أي : ما أنت يا محمّد وأصحابك إلا مبطلون أصحاب أباطيل ؛ تتبعون السحر ، وما هو مشاكل له في البطلان (كَذلِكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلى قُلُوبِ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) أي : مثل ذلك الطبع يطبع الله على قلوب الفاقدين للعلم النافع ؛ الذي يهتدون به إلى الحق ، وينجون به من الباطل ، ثم أمر الله سبحانه نبيه صلىاللهعليهوسلم بالصبر ؛ معللا لذلك بحقية وعد الله ، وعدم الخلف فيه ، فقال : (فَاصْبِرْ) على ما تسمعه منهم من الأذى ، وتنظره من الأفعال الكفرية ، فإن الله قد وعدك بالنصر عليهم ، وإعلاء حجتك ، وإظهار دعوتك ، ووعده حق لا خلف فيه (وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ) أي : لا يحملنك على الخفة ، ويستفزنك عن دينك ، وما أنت عليه الذين لا يوقنون بالله ، ولا يصدقون أنبياءه ، ولا يؤمنون بكتبه ، والخطاب للنبي صلىاللهعليهوسلم ، يقال استخف فلان فلانا : أي : استجهله حتى حمله على اتباعه في الغيّ. قرأ الجمهور «يستخفنك» بالخاء المعجمة والفاء ، وقرأ يعقوب ، وابن أبي إسحاق : بحاء مهملة وقاف من استحقاق ، والنهي في الآية من باب : لا أرينك هاهنا.
وقد أخرج ابن أبي حاتم ، والطبراني ، وابن مردويه عن أبي الدرداء قال : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «ما من مسلم يردّ عن عرض أخيه إلا كان حقّا على الله أن يردّ عنه نار جهنّم يوم القيامة ، ثم تلا (وَكانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) ، وهو من طريق شهر بن حوشب عن أمّ الدرداء عن أبي الدرداء. وأخرج أبو يعلى وابن المنذر عنه في قوله : (وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً) قال : قطعا بعضها فوق بعض (فَتَرَى الْوَدْقَ) قال : المطر (يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ) قال : من بينه. وأخرج ابن مردويه من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال : نزلت هذه الآية (فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ) في دعاء النبي صلىاللهعليهوسلم لأهل بدر ، والإسناد ضعيف. والمشهور في الصحيحين وغيرهما أن عائشة استدلت بهذه الآية على ردّ رواية من روى من الصحابة أن النبي صلىاللهعليهوسلم نادى أهل قليب بدر ، وهو من الاستدلال بالعام على ردّ الخاص فقد قال النبيّ صلىاللهعليهوسلم لما قيل له : إنك تنادي أجسادا بالية «ما أنتم بأسمع لما أقول منهم» وفي مسلم من حديث أنس ؛ أنّ عمر ابن الخطاب لما سمع النبيّ صلىاللهعليهوسلم يناديهم ، فقال : يا رسول الله! تناديهم بعد ثلاث وهل يسمعون؟ يقول الله إنّك لا تسمع الموتى ، فقال : والذي نفسي بيده ما أنتم بأسمع منهم ، ولكنّهم لا يطيقون أن يجيبوا».
* * *