لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ (١٨) وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (١٩))
اختلف في لقمان : هل هو عجمي ، أم عربي؟ مشتق من اللقم ، فمن قال : إنه عجمي ؛ منعه للتعريف والعجمة ، ومن قال : إنه عربي ؛ منعه للتعريف ، ولزيادة الألف والنون. واختلفوا أيضا : هو نبيّ ، أم رجل صالح؟ فذهب أكثر أهل العلم : إلى أنه ليس بنبيّ. وحكى الواحدي عن عكرمة ، والسدي والشعبي أنه كان نبيا ، والأوّل أرجح لما سيأتي في آخر البحث. وقيل : لم يقل بنبوته إلا عكرمة فقط ، مع أن الراوي لذلك عنه جابر الجعفي ، وهو ضعيف جدا. وهو لقمان بن باعور ابن ناحور بن تارخ ، وهو آزر أبو إبراهيم ، وقيل : هو لقمان بن عنقا بن مرون ، وكان نوبيا من أهل أيلة ، ذكره السهيلي. قال وهب : هو ابن أخت أيوب. وقال مقاتل : هو ابن خالته ، عاش ألف سنة ، وأخذ عنه العلم ، وكان يفتي قبل مبعث داود ، فلما بعث داود قطع الفتوى ، فقيل له ، فقال : ألا أكتفي إذ كفيت. قال الواقدي : كان قاضيا في بني إسرائيل ، والحكمة التي آتاه الله : هي الفقه ، والعقل ، والإصابة في القول ، وفسر الحكمة ؛ من قال بنبوّته : بالنبوّة (أَنِ اشْكُرْ لِي) أن هي المفسرة ، لأن في إيتاء الحكمة : معنى القول. وقيل : التقدير قلنا له : أن اشكر لي. وقال الزجاج : المعنى ولقد آتينا لقمان الحكمة لأن اشكر لي. وقيل بأن اشكر لي ، فشكر ، فكان حكيما بشكره ، والشكر لله الثناء عليه في مقابلة النعمة ، وطاعته فيما أمر به. ثم بين سبحانه أن الشكر لا ينتفع به إلا الشاكر ، فقال : (وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ) لأن نفع ذلك راجع إليه ، وفائدته حاصلة له ، إذ به تستبقى النعمة ، وبسببه يستجلب المزيد لها من الله سبحانه : (وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ) أي : من جعل كفر النعم مكان شكرها ، فإن الله غنيّ عن شكره ؛ غير محتاج إليه ؛ حميد مستحق للحمد من خلقه لإنعامه عليهم بنعمه التي لا يحاط بقدرها ، ولا يحصر عددها ، وإن لم يحمده أحد من خلقه ، فإن كلّ موجود ناطق بحمده بلسان الحال. قال يحيى بن سلام : غنيّ عن خلقه ؛ حميد في فعله (وَإِذْ قالَ لُقْمانُ لِابْنِهِ) قال السهيلي : اسم ابنه ثاران في قول ابن جرير والقتبي وقال الكلبي : مشكم. وقال النقاش : أنعم. وقيل : ماتان. قال القشيري : كان ابنه وامرأته كافرين ، فما زال يعظهما حتى أسلما ، وهذه الجملة معطوفة على ما تقدّم ، والتقدير : آتينا لقمان الحكمة حين جعلناه شاكرا في نفسه ، وحين جعلناه واعظا لغيره. قال الزجاج : إذ في موضع نصب بآتينا. والمعنى : ولقد آتينا لقمان الحكمة إذ قال : قال النحاس : وأحسبه غلطا لأن في الكلام واوا ، وهي تمنع من ذلك ، ومعنى : (وَهُوَ يَعِظُهُ) يخاطبه بالمواعظ التي ترغّبه في التوحيد وتصدّه عن الشّرك (يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللهِ) قرأ الجمهور بكسر الياء. وقرأ ابن كثير بإسكانها. وقرأ حفص بفتحها ، ونهيه عن الشرك يدلّ على أنه كان كافرا كما تقدّم ، وجملة : (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) تعليل لما قبلها ، وبدأ في وعظه بنهيه عن الشرك ؛ لأنه أهمّ من غيره.
وقد اختلف في هذه الجملة ، فقيل : هي من كلام لقمان ، وقيل : هي من كلام الله ، فتكون منقطعة عما قبلها. ويؤيد هذا ما ثبت في الحديث الصحيح أنها لما نزلت : (وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ) (١) شق ذلك
__________________
(١). الأنعام : ٨٢.