على الصحابة ، وقالوا : أينا لم يظلم نفسه. فأنزل الله : (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) فطابت أنفسهم. (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ) هذه الوصية بالوالدين ، وما بعدها إلى قوله : (بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) اعتراض بين كلام لقمان ؛ لقصد التأكيد لما فيها من النهي عن الشرك بالله ، وتفسير التوصية هي قوله : (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ) وما بينهما : اعتراض بين المفسر والمفسر ، وفي جعل الشكر لهما مقترنا بالشكر لله : دلالة على أن حقهما من أعظم الحقوق على الولد ، وأكبرها ، وأشدّها وجوبا ، ومعنى (حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلى وَهْنٍ) أنها حملته في بطنها ، وهي تزداد كلّ يوم ضعفا على ضعف ، وقيل المعنى : إن المرأة ضعيفة الخلقة ، ثم يضعفها الحمل ، وانتصاب وهنا : على المصدر. وقال النحاس : على أنه مفعول ثان بإسقاط الحرف ، أي : حملته بضعف على ضعف ، وقال الزجاج : المعنى لزمها بحملها إياه أن تضعف ، مرّة بعد مرة ، وقيل انتصابه على الحال من أمه و «على وهن» : صفة لوهنا ، أي : وهنا كائنا على وهن. قرأ الجمهور بسكون الهاء في الموضعين. وقرأ عيسى الثقفي وهي رواية عن أبي عمرو بفتحهما وهما : لغتان. قال قعنب :
هل للعواذل من ناه فيزجرها |
|
إنّ العواذل فيها الأين والوهن |
(وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ) الفصال : الفطام ، وهو : أن يفصل الولد عن الأم ، وهو : مبتدأ ، وخبره : الظرف. وقرأ الجحدري ، وقتادة ، وأبو رجاء ، والحسن ، ويعقوب «وفصله» وهما لغتان ، يقال انفصل عن كذا : أي : تميز ، وبه سمي الفصيل. وقد قدّمنا أن أمه في قوله : (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ) هي المفسرة. وقال الزجاج : هي مصدرية. والمعنى : بأن اشكر لي. قال النحاس : وأجود منه أن تكون أن مفسرة ، وجملة : (إِلَيَّ الْمَصِيرُ) تعليل لوجوب امتثال الأمر ، أي : الرجوع إليّ لا إلى غيري (وَإِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) أي : ما لا علم لك بشركته (فَلا تُطِعْهُما) في ذلك. وقد قدّمنا تفسير الآية ، وسبب نزولها في سورة العنكبوت ، وانتصاب (مَعْرُوفاً) : على أنه صفة لمصدر محذوف ، أي : وصاحبهما صحابا معروفا ، وقيل : هو منصوب بنزع الخافض ، والتقدير بمعروف (وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَ) أي : اتبع سبيل من رجع إليّ من عبادي الصالحين بالتوبة والإخلاص (ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ) جميعا لا إلى غيري (فَأُنَبِّئُكُمْ) أي : أخبركم عند رجوعكم (بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) من خير وشرّ ، فأجازي كلّ عامل بعمله. وقد قيل : إن هذا السياق من قوله : (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ) إلى هنا : من كلام لقمان ، فلا يكون اعتراضا ، وفيه بعد. ثم شرع سبحانه في حكاية بقية كلام لقمان ؛ في وعظه لابنه فقال : (يا بُنَيَّ إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ) الضمير في إنها : عائد إلى الخطيئة ؛ لما روي أن ابن لقمان قال لأبيه : يا أبت إن عملت الخطيئة حيث لا يراني أحد هل يعلمها الله؟ فقال إنها : أي الخطيئة ، والجملة الشرطية : مفسرة للضمير ، أي : إن الخطيئة إن تك مثقال حبة من خردل. قال الزجاج : التقدير إن التي سألتني عنها إن تك مثقال حبة من خردل ، وعبر بالخردلة لأنها أصغر الحبوب ، ولا يدرك بالحسّ ثقلها ، ولا ترجح ميزانا. وقيل : إن الضمير في «إنها» راجع إلى الخصلة من الإساءة ، والإحسان ، أي : إن الخصلة من الإساءة والإحسان ؛ إن تك مثقال حبة إلخ ، ثم زاد في بيان خفاء الحبة مع خفتها فقال : (فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ) فإن كونها في الصخرة قد صارت