أو كفار مكة على الخصوص ، أي : متى الفتح الذي تعدونا به ، يعنون بالفتح : القضاء ، والفصل بين العباد ، وهو يوم البعث الذي يقضي الله فيه بين عباده ، قاله مجاهد وغيره. وقال الفراء والقتبي : هو فتح مكة. قال قتادة : قال أصحاب النبيّ صلىاللهعليهوسلم للكفار : إن لنا يوما ننعم فيه ، ونستريح ، ويحكم الله بيننا وبينكم ، يعنون : يوم القيامة ، فقال الكفار : متى هذا الفتح؟ وقال السدّي : هو يوم بدر ، لأن أصحاب النبي صلىاللهعليهوسلم كانوا يقولون للكفار : إن الله ناصرنا ومظهرنا عليكم ، ومتى في قوله : (مَتى هذَا الْفَتْحُ) في موضع رفع ، أو في موضع نصب على الظرفية. ثم أمر الله سبحانه نبيه صلىاللهعليهوسلم أن يجيب عليهم فقال : (قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمانُهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ) وفي هذا دليل على أن يوم الفتح هو يوم القيامة ، لأن يوم فتح مكة ويوم بدرهما مما ينفع فيه الإيمان ، وقد أسلم أهل مكة يوم الفتح ، وقبل ذلك منهم النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، ومعنى : (وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ) لا يمهلون ، ولا يؤخرون ، ويوم في (يَوْمَ الْفَتْحِ) منصوب على الظرفية ، وأجاز الفراء الرفع (فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ) أي : عن سفههم وتكذيبهم ولا تجبهم إلا بما أمرت به (وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ) أي : وانتظر يوم الفتح ، وهو يوم القيامة ، أو يوم إهلاكهم بالقتل إنهم منتظرون بك حوادث الزمان من موت ، أو قتل ، أو غلبة كقوله : (فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ) (١) ويجوز أن يراد : إنهم منتظرون لإهلاكهم ، والآية منسوخة بآية السيف ، وقيل : غير منسوخة ، إذ قد يقع الإعراض مع الأمر بالقتال. وقرأ ابن السميقع «إنهم منتظرون» بفتح الظاء مبنيا للمفعول ، ورويت هذه القراءة عن مجاهد وابن محيصن. قال الفراء : لا يصح هذا إلّا بإضمار ، أي : إنهم منتظر بهم. قال أبو حاتم : الصحيح الكسر ، أي : انتظر عذابهم إنهم منتظرون هلاكك.
وقد أخرج البخاري ، ومسلم ، وغيرهما من حديث ابن عباس قال : قال النبي صلىاللهعليهوسلم : «رأيت ليلة أسري بي موسى بن عمران رجلا طويلا جعدا كأنّه من رجال شنوءة ، ورأيت عيسى ابن مريم مربوع الخلق إلى الحمرة والبياض ، سبط الرأس ، ورأيت مالكا خازن جهنّم والدّجال» في آيات أراهنّ الله إياه. قال : (فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقائِهِ) فكان قتادة يفسرها أن النبي صلىاللهعليهوسلم قد لقي موسى (وَجَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ) قال : جعل الله موسى هدى لبني إسرائيل. وأخرج الطبراني وابن مردويه والضياء في المختارة بسند قال السيوطي : صحيح عن ابن عباس عن النبي صلىاللهعليهوسلم (فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقائِهِ) قال : من لقاء موسى ، قيل أو لقي موسى؟ قال : نعم ، ألا ترى إلى قوله : (وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا) (٢) وأخرج الفريابي وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْماءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ) قال : الجرز التي لا تمطر إلا مطرا لا يغني عنها شيئا إلا ما يأتيها من السيول. وأخرج ابن أبي شيبة ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عنه في قوله : (إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ) قال : أرض باليمن. قال القرطبي في تفسيره : والإسناد عن ابن عباس صحيح لا مطعن فيه. وأخرج الحاكم وصححه ، والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس في قوله : (وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) قال : يوم بدر فتح للنبي صلىاللهعليهوسلم فلم ينفع الذين كفروا إيمانهم بعد الموت.
__________________
(١). التوبة : ٥٢.
(٢). الزخرف : ٤٥.