قوله : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللهَ) أي : دم على ذلك ، وازدد منه : (وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ) من أهل مكة ، ومن هو على مثل كفرهم (وَالْمُنافِقِينَ) أي : الذين يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر قال الواحدي : إنه أراد سبحانه بالكافرين : أبا سفيان ، وعكرمة ، وأبا الأعور السلمي ، وذلك أنهم قالوا للنبي صلىاللهعليهوسلم : ارفض ذكر آلهتنا ، وقل : إن لها شفاعة لمن عبدها. قال : والمنافقين عبد الله بن أبيّ وعبد الله بن سعد بن أبي سرح. وسيأتي آخر البحث بيان سبب نزول الآية : (إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً) أي : كثير العلم والحكمة بليغهم ، قال النحاس : ودلّ بقوله : (إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً) على أنه كان يميل إليهم : يعني النبي صلىاللهعليهوسلم استدعاء لهم إلى الإسلام ، والمعنى : أن الله عزوجل لو علم أن ميلك إليهم فيه منفعة لما نهاك عنهم لأنه حكيم ، ولا يخفى بعد هذه الدلالة التي زعمها ، ولكن هذه الجملة تعليل لجملة الأمر بالتقوى ، والنهي عن طاعة الكافرين والمنافقين ، والمعنى : أنه لا يأمرك أو ينهاك إلا بما علم فيه صلاحا ، أو فسادا لكثرة علمه ، وسعة حكمته (وَاتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) من القرآن : أي : اتبع الوحي في كلّ أمورك ، ولا تتبع شيئا مما عداه من مشورات الكافرين والمنافقين ، ولا من الرأي البحت ، فإن فيما أوحي إليك ما يغنيك عن ذلك ، وجملة : (إِنَّ اللهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً) تعليل لأمره باتباع ما أوحي إليك ، والأمر له صلىاللهعليهوسلم أمر لأمته ، فهم مأمورون باتباع القرآن ، كما هو مأمور باتباعه ، ولهذا جاء بخطابه ، وخطابهم في قوله : (بِما تَعْمَلُونَ) على قراءة الجمهور بالفوقية للخطاب ، واختار هذه القراءة أبو عبيد وأبو حاتم ، وقرأ أبو عمرو والسلمي ، وابن أبي إسحاق بالتحتية (وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً) أي : اعتمد عليه وفوّض أمورك إليه ، وكفى به حافظا يحفظ من توكل عليه. ثم ذكر سبحانه مثلا توطئة وتمهيدا لما يتعقبه من الأحكام القرآنية ، التي هي من الوحي الذي أمره الله باتباعه فقال : (ما جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ). وقد اختلف في سبب نزول هذه الآية كما سيأتي ، وقيل : هي مثل ضربه الله للمظاهر ، أي : كما لا يكون للرجل قلبان كذلك لا تكون امرأة المظاهر أمه حتى يكون له أمّان ، وكذلك لا يكون الدعيّ ابنا لرجلين. وقيل : كان الواحد من المنافقين يقول : لي قلب يأمرني بكذا وقلب بكذا ، فنزلت الآية لردّ النفاق ، وبيان أنه لا يجتمع مع الإسلام ، كما لا يجتمع قلبان ، والقلب بضعة صغيرة على هيئة الصنوبرة خلقها الله ، وجعلها محلا للعلم (وَما جَعَلَ أَزْواجَكُمُ اللَّائِي تُظاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهاتِكُمْ) وقرأ الكوفيون ، وابن عامر «اللائي» : بياء ساكنة بعد همزة ، وقرأ أبو عمرو ، والبزي بياء ساكنة بعد ألف محضة. قال أبو عمرو بن العلاء : إنها لغة قريش التي أمر الناس أن يقرءوا بها ، وقرأ قنبل وورش بهمزة مكسورة بدون ياء. قرأ عاصم تظاهرون بضم الفوقية ، وكسر الهاء بعد ألف ؛ مضارع ظاهر ، وقرأ ابن عامر بفتح الفوقية والهاء ، وتشديد الظاء مضارع تظاهر ، والأصل تتظاهرون وقرأ الباقون «تظّهرون» بفتح الفوقية وتشديد الظاء بدون ألف ، والأصل : تتظهرون ، والظهار مشتق من الظهر ، وأصله أن يقول الرجل لامرأته : أنت عليّ كظهر أمي ، والمعنى : وما جعل الله نساءكم اللائي تقولون لهنّ هذا القول كأمهاتكم في التحريم ، ولكنه منكر من القول وزور (وَ) كذلك (ما جَعَلَ) الأدعياء الذين تدّعون أنهم (أَبْناءَكُمْ) أبناء لكم ، والأدعياء جمع دعيّ ، وهو الذي