سورة سبإ
وهي مكية. قال القرطبي في قول الجميع إلا آية واحدة اختلف فيها ، وهي قوله : (وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) فقالت فرقة : هي مكية ، وقالت فرقة : هي مدنية ، وسيأتي الخلاف في معنى هذه الآية إن شاء الله ، وفيمن نزلت. وأخرج ابن الضريس ، والنحاس ، وابن مردويه ، والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس قال : نزلت سورة سبأ بمكة.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (١) يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَما يَخْرُجُ مِنْها وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ وَما يَعْرُجُ فِيها وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ (٢) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عالِمِ الْغَيْبِ لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرُ إِلاَّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ (٣) لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (٤) وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ (٥) وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (٦) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ (٧) أَفْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَمْ بِهِ جِنَّةٌ بَلِ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذابِ وَالضَّلالِ الْبَعِيدِ (٨) أَفَلَمْ يَرَوْا إِلى ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِنَ السَّماءِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (٩))
قوله : (الْحَمْدُ لِلَّهِ) تعريف الحمد ، مع لام الاختصاص : مشعران باختصاص جميع أفراد الحمد بالله سبحانه على ما تقدّم تحقيقه في فاتحة الكتاب ، والموصول في محل جرّ على النعت ، أو البدل ، أو النصب على الاختصاص ، أو الرفع على تقدير مبتدأ ، ومعنى : (لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) أن جميع ما هو فيها في ملكه ، وتحت تصرفه يفعل به ما يشاء ، ويحكم فيه بما يريد ، وكلّ نعمة واصلة إلى العبد ، فهي مما خلقه له ، ومنّ به عليه ، فحمده على ما في السموات والأرض هو حمد له على النعم التي أنعم بها على خلقه لهم. ولما بين أن الحمد الدنيوي من عباده الحامدين له مختص به ؛ بين أن الحمد الأخروي مختصّ به كذلك فقال : (وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ) وقوله : «له» متعلق بنفس الحمد ، أو بما تعلق به خبر الحمد ، أعني : في الآخرة ، فإنه متعلق بمتعلق عام هو الاستقرار ، أو نحوه ، والمعنى : أن له سبحانه على الاختصاص حمد