ابن أبي حاتم عن الضحاك في الآية قال : يعني المؤمنين من أهل الكتاب. وأخرج عبد الرزاق ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلى رَجُلٍ) قال : قال ذلك مشركو قريش (إِذا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ) يقول : إذا أكلتكم الأرض وصرتم رفاتا وعظاما وتقطعتكم السباع والطير (إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ) إنكم ستحيون وتبعثون ، قالوا ذلك تكذيبا به (أَفْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَمْ بِهِ جِنَّةٌ) قال : قالوا إما أن يكون يكذب على الله وإما أن يكون مجنونا (أَفَلَمْ يَرَوْا إِلى ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ) قالوا : إنك إن نظرت عن يمينك وعن شمالك ومن بين يديك ومن خلفك رأيت السماء والأرض (إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ) كما خسفنا بمن كان قبلهم (أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِنَ السَّماءِ) أي : قطعا من السماء إن يشأ أن يعذب بسمائه فعل وإن يشأ أن يعذب بأرضه فعل وكلّ خلقه له جند (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ) قال : تائب مقبل إلى الله.
(وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلاً يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (١٠) أَنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صالِحاً إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (١١) وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ غُدُوُّها شَهْرٌ وَرَواحُها شَهْرٌ وَأَسَلْنا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنا نُذِقْهُ مِنْ عَذابِ السَّعِيرِ (١٢) يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ وَتَماثِيلَ وَجِفانٍ كَالْجَوابِ وَقُدُورٍ راسِياتٍ اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ (١٣) فَلَمَّا قَضَيْنا عَلَيْهِ الْمَوْتَ ما دَلَّهُمْ عَلى مَوْتِهِ إِلاَّ دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ ما لَبِثُوا فِي الْعَذابِ الْمُهِينِ (١٤))
ثم ذكر سبحانه من عباده المنيبين إليه داود وسليمان ، كما قال في داود : (فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ راكِعاً وَأَنابَ) (١) وقال في سليمان : (وَأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنابَ) (٢) فقال : (وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلاً) أي : آتيناه بسبب إنابته فضلا منا على سائر الأنبياء. واختلف في هذا الفضل على أقوال : فقيل النبوّة ، وقيل : الزبور ، وقيل : العلم ، وقيل : القوّة كما في قوله : (وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ) (٣) وقيل : تسخير الجبال ، كما في قوله : (يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ) وقيل : التوبة ، قيل : الحكم بالعدل ، كما في قوله : (يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِ) (٤) وقيل : هو إلانة الحديد كما في قوله : (وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ) وقيل : حسن الصوت ، والأولى أن يقال : إن هذا الفضل المذكور هو ما ذكره الله بعده من قوله : (يا جِبالُ) إلى آخر الآية ، وجملة (يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ) مقدّرة بالقول ، أي : قلنا يا جبال. والتأويب : التسبيح كما في قوله : (إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ) (٥) قال أبو ميسرة : هو التسبيح بلسان الحبشة. وكان إذا سبح داود سبحت معه ، ومعنى تسبيح الجبال : أن الله يجعلها قادرة على ذلك ، أو يخلق فيها التسبيح معجزة لداود ، وقيل : معنى أوّبي : سيري معه ، من التأويب الذي هو سير النهار أجمع ، ومنه قول ابن مقبل :
__________________
(١). ص : ٢٤.
(٢). ص : ٣٤.
(٣). ص : ١٧.
(٤). ص : ٢٦.
(٥). ص : ١٨.