قصاعا في العظم كحياض الإبل ، يجتمع على القصعة الواحدة ألف رجل يأكلون منها. قال النحاس : الأولى إثبات الياء في الجوابي ، ومن حذف الياء قال سبيل الألف واللام أن تدخل على النكرة فلا تغيرها عن حالها ، فلما كان يقال جواب ودخلت الألف واللام أقرّ على حاله فحذف الياء. قال الكسائي : يقال جبوت الماء وجبيته في الحوض : أي جمعته ، والجابية الحوض الذي يجبى فيه الماء للإبل. وقال النحاس : والجابية ، القدر العظيمة ، والحوض العظيم الكبير الذي يجبى فيه الشيء ، أي : يجمع ، ومنه جبيت الخراج ، وجبيت الجراد : جمعته في الكساء (وَقُدُورٍ راسِياتٍ) قال قتادة : هي قدور النحاس تكون بفارس ، وقال الضّحاك : هي قدور تنحت من الجبال الصمّ عملتها له الشياطين ، ومعنى راسيات : ثابتات لا تحمل ولا تحرّك لعظمها. ثم أمرهم سبحانه بالعمل الصالح على العموم ، أي : سليمان وأهله ، فقال : (اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً) أي : وقلنا لهم اعملوا بطاعة الله يا آل داود! شكرا له على ما آتاكم ، واعملوا عملا شكرا على أنه صفة مصدر محذوف ، أو اعملوا للشكر على أنه مفعول له أو حال ، أي : شاكرين ، أو مفعول به ، وسميت الطاعة شكرا لأنها من جملة أنواعه ، أو منصوب على المصدرية بفعل مقدّر من جنسه ، أي : اشكروا شكرا. ثم بين بعد أمرهم بالشكر أن الشاكرين له من عباده ليسوا بالكثير فقال : (وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ) أي : العامل بطاعتي ؛ الشاكر لنعمتي قليل. وارتفاع قليل على أنه خبر مقدّم. ومن عبادي : صفة له. والشكور : مبتدأ (فَلَمَّا قَضَيْنا عَلَيْهِ الْمَوْتَ) أي : حكمنا عليه به وألزمناه إياه (ما دَلَّهُمْ عَلى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ) يعني الأرضة. وقرئ «الأرض» بفتح الراء : أي الأكل ، يقال أرضت الخشبة أرضا : إذا أكلتها الأرضة. ومعنى (تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ) : تأكل عصاه التي كان متكئا عليها ، والمنسأة : العصا بلغة الحبشة ، أو هي مأخوذة من نسأت الغنم : أي زجرتها. قال الزجاج : المنسأة التي ينسأ بها : أي يطرد. قرأ الجمهور (مِنْسَأَتَهُ) بهمزة مفتوحة. وقرأ ابن ذكوان بهمزة ساكنة. وقرأ نافع وأبو عمر بألف محضة. قال المبرد : بعض العرب يبدل من همزتها ألفا وأنشد :
إذا دببت على المنساة من كبر |
|
فقد تباعد عنك اللهو والغزل |
ومثل قراءة الجمهور قول الشاعر :
ضربنا بمنسأة وجهه |
|
فصار بذاك مهينا ذليلا |
ومثله :
أمن أجل حبل لا أباك ضربته |
|
بمنسأة قد جرّ حبلك أحبلا |
ومما يدلّ على قراءة ابن ذكوان قول طرفة :
أمون كألواح الإران نسأتها |
|
على لاحب كأنّه ظهر برجد (١) |
__________________
(١). الأمون : التي يؤمن عثارها. والإران : تابوت الموتى. واللّاحب : الطريق الواضح. والبرجد : كساء مخطط.