في النار ، والمراد بالذين كفروا : هم المذكورون سابقا ، والإظهار لمزيد الذمّ ، أو للكفار على العموم فيدخل هؤلاء فيهم دخولا أوّليا (هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا ما كانُوا يَعْمَلُونَ) أي : إلا جزاء ما كانوا يعملونه من الشرك بالله ، أو إلا بما كانوا يعملون على حذف الخافض.
وقد أخرج ابن أبي شيبة ، وابن المنذر عن مجاهد في قوله : (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ) قال : إلى الناس جميعا. وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم عن قتادة قال : أرسل الله محمّدا إلى العرب والعجم ، فأكرمهم على الله أطوعهم له. وأخرج هؤلاء عنه في قوله : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهذَا الْقُرْآنِ) قال : هذا قول مشركي العرب كفروا بالقرآن وبالذي بين يديه من الكتب والأنبياء.
(وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلاَّ قالَ مُتْرَفُوها إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ (٣٤) وَقالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوالاً وَأَوْلاداً وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (٣٥) قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٣٦) وَما أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنا زُلْفى إِلاَّ مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَأُولئِكَ لَهُمْ جَزاءُ الضِّعْفِ بِما عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفاتِ آمِنُونَ (٣٧) وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ أُولئِكَ فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ (٣٨) قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (٣٩) وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ (٤٠) قالُوا سُبْحانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ (٤١) فَالْيَوْمَ لا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعاً وَلا ضَرًّا وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذابَ النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ (٤٢))
لما قصّ سبحانه حال من تقدّم من الكفار أتبعه بما فيه التسلية لرسوله ، وبيان أن كفر الأمم السابقة بمن أرسل إليهم من الرسل هو كائن مستمرّ في الأعصر الأوّل فقال : (وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ) من القرى (مِنْ نَذِيرٍ) ينذرهم ويحذرهم عقاب الله (إِلَّا قالَ مُتْرَفُوها) أي : رؤساؤها وأغنياؤها وجبابرتها وقادة الشرّ لرسلهم (إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ) أي : بما أرسلتم به من التوحيد والإيمان ، وجملة (إِلَّا قالَ مُتْرَفُوها) في محل نصب على الحال. ثم ذكر ما افتخروا به من الأموال والأولاد وقاسوا حالهم في الدار الآخرة على حالهم في هذه الدار على تقدير صحة ما أنذرهم به الرسل فقال : (وَقالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوالاً وَأَوْلاداً وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ) والمعنى : أنّ الله فضلنا عليكم بالأموال والأولاد في الدنيا ، وذلك يدل على أنه قد رضي ما نحن عليه من الدين ، وما نحن بمعذبين في الآخرة بعد إحسانه إلينا في الدنيا ، ورضاه عنا ، فأمر الله نبيه صلىاللهعليهوسلم بأن يجيب عنهم وقال : (قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ) أن يبسطه له (وَيَقْدِرُ) أي : يضيق على من يشاء أن يضيقه عليه ، فهو سبحانه قد يرزق الكافر والعاصي استدراجا له ، وقد يمتحن المؤمن بالتقتير توفيرا لأجره ، وليس مجرّد بسط الرزق لمن له يدل على أنه قد رضي عنه ورضي عمله ، ولا قبضه عنه يدل على أنه لم يرضه ، ولا رضي عمله ، فقياس الدار الآخرة على الدار الأولى في مثل هذا من الغلط البين أو المغالطة لواضحة (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) هذا ، ومن جملة هؤلاء الأكثر من قاس أمر الآخرة على الأولى ،