ثم زاد هذا الجواب تأييدا وتأكيدا (وَما أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنا زُلْفى) أي : ليسوا بالخصلة التي تقرّبكم عندنا قربى. قال مجاهد : الزلفى : القربى ، والزلفة : القربة. قال الأخفش : زلفى اسم مصدر كأنه قال بالتي تقربكم عندنا تقريبا فتكون زلفى منصوبة المحلّ. قال الفرّاء : إن التي تكون للأموال والأولاد جميعا. وقال الزجاج : إن المعنى وما أموالكم بالتي تقرّبكم عندنا زلفى ، ولا أولادكم بالشيء يقرّبكم عندنا زلفى ، ثم حذف خبر الأول لدلالة الثاني عليه وأنشد :
نحن بما عندنا وأنت بما |
|
عندك راض والرّأي مختلف |
ويجوز في غير القرآن باللتين وباللاتي وباللواتي وبالذي للأولاد خاصة ؛ أي : لا تزيدكم الأموال عندنا درجة ورفعة ولا تقربكم تقريبا (إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً) هو استثناء منقطع فيكون محله النصب ، أي : لكن من آمن وعمل صالحا ، أو في محل جرّ بدلا من الضمير في تقرّبكم ، كذا قال الزجاج. قال النحاس : وهذا القول غلط ، لأن الكاف والميم للمخاطب فلا يجوز البدل ولو جاز هذا لجاز رأيتك زيدا. ويجاب عنه بأن الأخفش والكوفيين يجوّزون ذلك ، وقد قال بمثل قول الزجاج الفراء وأجاز الفراء أن يكون في موضع رفع بمعنى ما هو إلا من آمن ، والإشارة بقوله : (فَأُولئِكَ) إلى من ، والجمع باعتبار معناها وهو مبتدأ وخبره (لَهُمْ جَزاءُ الضِّعْفِ) أي : جزاء الزيادة ، وهي المرادة بقوله : (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها) (١). وهو من إضافة المصدر إلى المفعول ، أي : جزاء التضعيف للحسنات ، وقيل : لهم جزاء الإضعاف لأن الضعف في معنى الجمع ، والباء في (بِما عَمِلُوا) للسببية (وَهُمْ فِي الْغُرُفاتِ آمِنُونَ) من جميع ما يكرهون ، والمراد غرفات الجنة ، قرأ الجمهور (جَزاءُ الضِّعْفِ) بالإضافة ، وقرأ الزهري ويعقوب ونصر بن عاصم وقتادة برفعهما على أن الضعف بدل من جزاء. وروي عن يعقوب أنه قرأ «جزاء» بالنصب منوّنا ، و «الضعف» بالرفع على تقدير : فأولئك لهم الضعف جزاء ، أي : حال كونه جزاء. وقرأ الجمهور (فِي الْغُرُفاتِ) بالجمع ، واختار هذه القراءة أبو عبيد لقوله : (لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفاً) (٢) وقرأ الأعمش ويحيى بن وثاب وحمزة وخلف «في الغرفة» بالإفراد لقوله : (أُوْلئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ) (٣) ولما ذكر سبحانه حال المؤمنين ذكر حال الكافرين فقال : (وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آياتِنا) بالرد لها والطعن فيها حال كونهم (مُعاجِزِينَ) مسابقين لنا زاعمين أنهم يفوتوننا بأنفسهم ، أو معاندين لنا بكفرهم (أُولئِكَ فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ) أي : في عذاب جهنم تحضرهم الزبانية إليها لا يجدون عنها محيصا. ثم كرّر سبحانه ما تقدّم لقصد التأكيد للحجة ، والدفع لما قاله الكفرة فقال : (قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ) أي : يوسعه لمن يشاء ، ويضيقه على من يشاء ، وليس في ذلك دلالة على سعادة ولا شقاوة (وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ) أي يخلفه عليكم ، يقال أخلف له وأخلف عليه : إذا أعطاه عوضه وبدله ، وذلك البدل إما في الدنيا وإما في الآخرة (وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) فإن رزق العباد لبعضهم البعض إنما هو بتيسير الله وتقديره ، وليسوا برازقين على الحقيقة بل على طريق المجاز ، كما يقال في الرجل إنه يرزق عياله ،
__________________
(١). الأنعام : ١٦٠.
(٢). العنكبوت : ٥٨.
(٣). الفرقان : ٧٥.