وفي الأمير إنه يرزق جنده ، والرزاق للأمير والمأمور والكبير والصغير هو الخالق لهم ، ومن أخرج من العباد إلى غيره شيئا مما رزقه الله فهو إنما تصرّف في رزق الله فاستحق بما خرج من الثواب عليه المضاعف لامتثاله لأمر الله وإنفاقه فيما أمره الله (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً) الظرف منصوب بفعل مقدّر نحو اذكر ، أو هو متصل بقول : (وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ) أي : ولو تراهم أيضا يوم نحشرهم جميعا للحساب ؛ العابد والمعبود ، والمستكبر والمستضعف ، (ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ) تقريعا للمشركين وتوبيخا لمن عبد غير الله عزوجل كما في قوله لعيسى : (أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ) (١) وإنما خصص الملائكة بالذكر مع أن بعض الكفار قد عبد غيرهم من الشياطين والأصنام لأنهم أشرف معبودات المشركين. قال النحاس : والمعنى أن الملائكة إذا أكذبتهم كان في ذلك تبكيت للمشركين ، وجملة : (قالُوا سُبْحانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنا مِنْ دُونِهِمْ) مستأنفة جواب سؤال مقدّر ، أي : تنزيها لك أنت الذي نتولاه ونطيعه ونعبده من دونهم ، ما اتخذناهم عابدين ولا توليناهم وليس لنا غيرك وليا ، ثم صرّحوا بما كان المشركون يعبدونه فقالوا : (بَلْ كانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَ) أي : الشياطين وهم إبليس وجنوده ، ويزعمون أنهم يرونهم ، وأنهم ملائكة ، وأنهم بنات الله ، وقيل : كانوا يدخلون أجواف الأصنام ويخاطبونهم منها (أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ) أي : أكثر المشركين بالجنّ مؤمنون بهم مصدّقون لهم ، قيل : والأكثر في معنى الكلّ (فَالْيَوْمَ لا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعاً وَلا ضَرًّا) يعني العابدين والمعبودين لا يملك بعضهم وهم المعبودون لبعض ، وهم العابدون (نَفْعاً) أي : شفاعة ونجاة (وَلا ضَرًّا) أي : عذابا وهلاكا ، إنما قيل لهم هذا القول إظهارا لعجزهم وقصورهم وتبكيتا لعابديهم ، وقوله : (وَلا ضَرًّا) هو على حذف مضاف ، أي : لا يملكون لهم دفع ضرّ ، وقوله : (وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا) عطف على قوله : (يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ) أي : للذين ظلموا أنفسهم بعبادة غير الله (ذُوقُوا عَذابَ النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ) في الدنيا.
وقد أخرج ابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن أبي رزين قال : كان رجلان شريكين ، خرج أحدهما إلى الساحل وبقي الآخر ، فلما بعث الله النبيّ صلىاللهعليهوسلم كتب إلى صاحبه يسأله ما فعل؟ فكتب إليه أنه لم يتبعه أحد من قريش إلا رذالة الناس ومساكينهم ، فترك تجارته ثم أتى صاحبه فقال : دلني عليه ، وكان يقرأ الكتب ، فأتى النبيّ صلىاللهعليهوسلم فقال : إلى ما تدعو؟ قال : إلى كذا وكذا ، قال : أشهد أنك رسول الله ، قال : وما علمك بذلك؟ قال : إنه لم يبعث نبيّ إلا اتبعه رذالة الناس ومساكينهم ، فنزلت هذه الآيات (وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قالَ مُتْرَفُوها) الآيات ، فأرسل إليه النبيّ صلىاللهعليهوسلم إن الله قد أنزل تصديق ما قلت. وأخرج عبد بن حميد ، وابن المنذر عن مجاهد في قوله : (جَزاءُ الضِّعْفِ) قال : تضعيف الحسنة. وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن محمّد بن كعب قال : إذا كان الرجل غنيا تقيا آتاه الله أجره مرتين ، وتلا هذه الآية : (وَما أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ) إلى قوله : (فَأُولئِكَ لَهُمْ جَزاءُ الضِّعْفِ) قال : تضعيف
__________________
(١). المائدة :.