سورة فاطر
وهي مكية : قال القرطبي : في قول الجميع. وأخرج البخاري ، وابن الضريس ، وابن مردويه ، والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس قال : أنزلت سورة فاطر بمكة.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(الْحَمْدُ لِلَّهِ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاءُ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١) ما يَفْتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها وَما يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٢) يا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (٣) وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (٤) يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ (٥) إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّما يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحابِ السَّعِيرِ (٦) الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (٧) أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِما يَصْنَعُونَ (٨))
الفطر : الشقّ عن الشيء ، يقال فطرته فانفطر ، ومنه فطر ناب البعير : إذا طلع ، فهو بعير فاطر ، وتفطر الشيء تشقق ، والفطر : الابتداء والاختراع ، وهو المراد هنا ، والمعنى (الْحَمْدُ لِلَّهِ) مبدع (السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ومخترعهما ، والمقصود من هذا أن من قدر على ابتداء هذا الخلق العظيم فهو قادر على الإعادة. قرأ الجمهور «فاطر» على صيغة اسم الفاعل ، وقرأ الزهري والضحاك «فطر» على صيغة الفعل الماضي ، فعلى القراءة الأولى هو نعت لله لأن إضافته محضة لكونه بمعنى الماضي ، وإن كانت غير محضة كان بدلا ، ومثله (جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً) يجوز فيه الوجهان ، وانتصاب رسلا بفعل مضمر على الوجه الأوّل ، لأن اسم الفاعل إذا كان بمعنى الماضي لا يعمل ، وجوّز الكسائي عمله. وأما على الوجه الثاني فهو منصوب بجاعل ، والرسل من الملائكة : هم جبريل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل. وقرأ الحسن «جاعل» بالرفع ، وقرأ خليل ابن نشيط ويحيى بن يعمر «جعل» على صيغة الماضي. وقرأ الحسن وحميد «رسلا» بسكون السين ، وهي لغة تميم (أُولِي أَجْنِحَةٍ) صفة لرسلا ، والأجنحة : جمع جناح (مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ) صفة لأجنحة ، وقد تقدم الكلام في مثنى وثلاث ورباع في النساء. قال قتادة : بعضهم له جناحان ، وبعضهم ثلاثة ، وبعضهم أربعة ، ينزلون بها من السماء إلى الأرض ، ويعرجون بها من الأرض إلى السماء. قال يحيى بن سلام : يرسلهم الله إلى الأنبياء. وقال السدّي : إلى العباد بنعمه أو نقمه ، وجملة : (يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاءُ) مستأنفة