وقرأ الجمهور «الكلم» وقرأ أبو عبد الرحمن «الكلام» وقرأ الجمهور «والعمل الصّالح» بالرفع على العطف أو على الابتداء. وقرأ ابن أبي عبلة ، وعيسى بن عمر بالنصب على الاشتغال (وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئاتِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ) انتصاب السيئات على أنها صفة لمصدر محذوف ، أي : يمكرون المكرات السيئات ، وذلك لأن «مكر» لازم ، ويجوز أن يضمن يمكرون : معنى يكسبون ، فتكون السيئات مفعولا به ، قال مجاهد وقتادة هم أهل الرياء. وقال أبو العالية : هم الذين مكروا بالنبيّ صلىاللهعليهوسلم لما اجتمعوا في دار الندوة. وقال الكلبي : هم الذين يعملون السيئات في الدنيا. وقال مقاتل : هم المشركون ، ومعنى : (لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ) لهم عذاب بالغ الغاية في الشدّة (وَمَكْرُ أُولئِكَ هُوَ يَبُورُ) أي : يبطل ويهلك ، ومنه (وَكُنْتُمْ قَوْماً بُوراً) والمكر في الأصل : الخديعة والاحتيال ، والإشارة بقوله : إلى الذين مكروا السيئات على اختلاف الأقوال في تفسير مكرهم ، وجملة : (هُوَ يَبُورُ) خبر مكر أولئك. ثم ذكر سبحانه دليلا آخر على البعث والنشور فقال : (وَاللهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ) أي : خلقكم ابتداء في ضمن خلق أبيكم آدم من تراب. وقال قتادة : يعني آدم ، والتقدير على هذا : خلق أباكم الأوّل ، وأصلكم الذي ترجعون إليه من تراب (ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ) أخرجها من ظهر آبائكم (ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْواجاً) أي : زوج بعضكم ببعض ، فالذكر زوج الأنثى ، أو جعلكم أصنافا ذكرانا وإناثا (وَما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ) أي : لا يكون حمل ولا وضع إلا والله عالم به ، فلا يخرج شيء عن علمه وتدبيره (وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتابٍ) أي : ما يطول عمر أحد ، ولا ينقص من عمره إلا في كتاب ، أي : في اللوح المحفوظ قال الفراء : يريد آخر غير الأوّل ، فكنى عنه بالضمير كأنه الأوّل لأن لفظ الثاني لو ظهر كان كالأوّل كأنه قال : ولا ينقص من عمر معمر ، فالكناية في عمره ترجع إلى آخر غير الأوّل ، ومثله قولك عندي درهم ونصفه : أي نصف آخر. قيل : إنما سمي معمرا باعتبار مصيره إليه. والمعنى : وما يمدّ في عمر أحد ولا ينقص من عمر أحد ، لكن لا على معنى لا ينقص من عمره بعد كونه زائدا ، بل على معنى أنه لا يجعل من الابتداء ناقصا إلا وهو في كتاب. قال سعيد بن جبير : وما يعمر من معمر إلا كتب عمره : كم هو سنة ، كم هو شهرا ، كم هو يوما ، كم هو ساعة ، ثم يكتب في كتاب آخر نقص من عمره ساعة ، نقص من عمره يوم ، نقص من عمره شهر ، نقص من عمره سنة حتى يستوفي أجله ، فما مضى من أجله فهو النقصان ، وما يستقبل ، هو الذي يعمره. وقال قتادة : المعمر من بلغ ستين سنة ، والمنقوص من عمره من يموت قبل ستين سنة. وقيل المعنى : إن الله كتب عمر الإنسان كذا إن أطاع ، ودونه إن عصى فأيهما بلغ فهو في كتاب ، والضمير على هذا يرجع إلى معمر. وقيل المعنى : وما يعمر من معمر إلى الهرم ، ولا ينقص آخر من عمر الهرم إلا في كتاب ، أي : بقضاء الله قاله الضحاك ، واختاره النحاس. قال : وهو أشبهها بظاهر التنزيل ، والأولى أن يقال ظاهر النظم القرآني أن تطويل العمر وتقصيره : هما بقضاء الله وقدره لأسباب تقتضي التطويل ، وأسباب تقتضي التقصير.
فمن أسباب التطويل : ما ورد في صلة الرّحم عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم ونحو ذلك. ومن أسباب التقصير الاستكثار من معاصي الله عزوجل ، فإذا كان العمر المضروب للرجل مثلا سبعين سنة ، فقد يزيد الله له عليها إذا فعل