أسباب الزيادة ، وقد ينقصه منها إذا فعل أسباب النقصان ، والكلّ في كتاب مبين فلا تخالف بين هذه الآية ، وبين قوله سبحانه : (فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ) (١) ويؤيد هذا قوله سبحانه : (يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ) (٢) وقد قدّمنا في تفسيرها ما يزيد ما ذكرنا هنا وضوحا وبيانا. قرأ الجمهور «ينقص» مبنيا للمفعول. وقرأ يعقوب وسلام وروي عن أبي عمرو «ينقص» مبنيا للفاعل. وقرأ الجمهور «من عمره» بضمّ الميم. وقرأ الحسن والأعرج والزهري بسكونها ، والإشارة بقوله : (إِنَّ ذلِكَ) إلى ما سبق من الخلق وما بعده (عَلَى اللهِ يَسِيرٌ) لا يصعب عليه منه شيء ، ولا يعزب عنه كثير ولا قليل ، ولا كبير ولا صغير. ثم ذكر سبحانه نوعا آخر من بديع صنعه ، وعجيب قدرته فقال : (وَما يَسْتَوِي الْبَحْرانِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ سائِغٌ شَرابُهُ وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ) فالمراد بالبحران العذب والمالح ، فالعذب الفرات الحلو ، والأجاج المرّ ، والمراد ب (سائِغٌ شَرابُهُ) الذي يسهل انحداره في الحلق لعذوبته. وقرأ عيسى بن عمر «سيّغ» بتشديد الياء ، وروي تسكينها عنه ، وقرأ طلحة وأبو نهيك «ملح» بفتح الميم «ومن كلّ» منهما (تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيًّا) وهو ما يصاد منهما من حيواناتهما التي تؤكل (وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها) الظاهر أن المعنى : وتستخرجون منهما حلية تلبسونها. وقال المبرّد : إنما تستخرج الحلية من المالح ، وروي عن الزجاج أنه قال : إنما تستخرج الحلية منهما إذا اختلطا ، لا من كلّ واحد منهما على انفراده ، ورجح النحاس قول المبرّد. ومعنى (تَلْبَسُونَها) تلبسون كلّ شيء منها بحسبه ، كالخاتم في الأصبع ، والسوار في الذراع ، والقلادة في العنق ، والخلخال في الرجل ، ومما يلبس حلية السلاح الذي يحمل كالسيف والدرع ونحوهما (وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ) أي : في كلّ واحد من البحرين. وقال النحاس : الضمير يعود إلى الماء المالح خاصة ، ولو لا ذلك لقال : فيهما (مَواخِرَ) يقال مخرت السفينة تمخر : إذا شقت الماء. فالمعنى : وترى السفن في البحرين شواقّ للماء بعضها مقبلة ، وبعضها مدبرة بريح واحدة ، وقد تقدّم الكلام على هذا في سورة النحل ، واللام في (لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ) متعلقة بما يدل عليه الكلام السابق ، أي : فعل ذلك لتبتغوا أو بمواخر. قال مجاهد : ابتغاء الفضل هو التجارة في البحر إلى البلدان البعيدة في مدّة قريبة كما تقدّم في البقرة (وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) الله على ما أنعم عليكم به من ذلك. قال أكثر المفسرين : إن المراد من الآية ضرب المثل في حقّ المؤمن والكافر ، والكفر والإيمان ، فكما لا يستوي البحران كذلك لا يستوي المؤمن والكافر ، ولا الكفر والإيمان (يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ) أي : يضيف بعض أجزائهما إلى بعض ، فيزيد في أحدهما بالنقص في الآخر ، وقد تقدّم تفسيره في آل عمران ، وفي مواضع من الكتاب العزيز (وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى) قدّره الله لجريانهما ، وهو يوم القيامة. وقيل : هو المدّة التي يقطعان في مثلها الفلك ، وهو سنة : للشمس ، وشهر : للقمر ، وقيل : المراد به جرى الشمس في اليوم ، والقمر في الليلة. وقد تقدّم تفسير هذا مستوفى في سورة لقمان ، والإشارة بقوله : (ذلِكُمُ) إلى الفاعل لهذه الأفعال وهو الله سبحانه ، واسم
__________________
(١). الأعراف : ٣٤.
(٢). الرعد : ٣٩.