خلق البشر الذي هو صغير الشكل ضعيف القوّة ، كما قال سبحانه : (لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ) (١). وقرأ الجمهور (بِقادِرٍ) بصيغة اسم الفاعل. وقرأ الجحدري ، وابن أبي إسحاق ، والأعرج ، وسلام بن المنذر ، وأبو يعقوب الحضرمي «يقدر» بصيغة الفعل المضارع. ثم أجاب سبحانه عما أفاده الاستفهام من الإنكار التقريريّ بقوله : (بَلى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ) أي : بلى هو قادر على ذلك وهو المبالغ في الخلق والعلم على أكمل وجه وأتمه. وقرأ الحسن ، والجحدري ، ومالك بن دينار «وهو الخالق». ثم ذكر سبحانه ما يدلّ على كمال قدرته ، وتيسر المبدأ والإعادة عليه فقال : (إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) أي : إنما شأنه سبحانه إذا تعلقت إرادته بشيء من الأشياء أن يقول له : أحدث فيحدث من غير توقف على شيء آخر أصلا ، وقد تقدّم تفسير هذا في سورة النحل وفي البقرة. قرأ الجمهور : (فَيَكُونُ) بالرفع على الاستئناف. وقرأ الكسائي بالنصب عطفا على يقول. ثم نزّه سبحانه نفسه عن أن يوصف بغير القدرة فقال : (فَسُبْحانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ) والملكوت في كلام العرب لفظ مبالغة في الملك كالجبروت والرحموت كأنه قال : فسبحان الذي بيده مالكية الأشياء الكلية. قال قتادة : ملكوت كلّ شيء : مفاتح كلّ شيء. قرأ الجمهور (مَلَكُوتُ) وقرأ الأعمش وطلحة بن مصرف وإبراهيم التيمي «ملكة» بزنة شجرة ، وقرأ الجمهور (وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) بالفوقية على الخطاب مبنيا للمفعول. وقرأ السلمي وزر بن حبيش وأصحاب ابن مسعود بالتحتية على الغيبة مبنيا للمفعول أيضا. وقرأ زيد بن عليّ على البناء للفاعل ، أي : ترجعون إليه لا إلى غيره وذلك في الدار الآخرة بعد البعث.
وقد أخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم في معجمه ، والحاكم وصححه ، وابن مردويه ، والبيهقي في البعث ، والضياء في المختارة عن ابن عباس قال : جاء العاص بن وائل إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم بعظم حائل ففته بيده فقال : يا محمّد أيحيي الله هذا بعد ما أرى؟ قال : «نعم ، يبعث الله هذا ، ثمّ يميتك ثمّ يحييك ثمّ يدخلك نار جهنم» فنزلت الآيات من آخر يس (أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ) إلى آخر السورة. وأخرج ابن جرير ، وابن مردويه عنه قال : جاء عبد الله بن أبيّ في يده عظم حائل إلى النبيّ صلىاللهعليهوسلم وذكر مثل ما تقدّم قال ابن كثير : وهذا منكر ، لأن السورة مكية وعبد الله بن أبيّ إنما كان بالمدينة. وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال : جاء أبيّ بن خلف الجمحي وذكر نحو ما تقدّم. وأخرج ابن مردويه عنه أيضا قال : نزلت في أبي جهل وذكر نحو ما تقدّم.
* * *
__________________
(١). غافر : ٥٧.