أجنحتها في الهواء واقفة فيه حتى يأمرها الله بما يريد. وقال الحسن : (صَفًّا) كصفوفهم عند ربهم في صلاتهم. وقيل : المراد بالصافات هنا الطير كما في قوله : (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صافَّاتٍ) (١). والأوّل أولى ، والصف : ترتيب الجمع على خطّ كالصفّ في الصلاة ، وقيل : الصافات جماعات الناس المؤمنين إذا قاموا صفا في الصلاة أو في الجهاد ، ذكره القشيري. والمراد ب (فَالزَّاجِراتِ) الفاعلات للزجر من الملائكة ، إما لأنها تزجر السحاب كما قال السدّي ، وإما لأنها تزجر عن المعاصي بالمواعظ والنصائح. وقال قتادة : المراد بالزاجرات : الزواجر من القرآن ، وهي كلّ ما ينهى ، ويزجر عن القبيح ، والأوّل أولى. وانتصاب صفّا. و (زَجْراً) على المصدرية لتأكيد ما قبلها. وقيل : المراد بالزاجرات العلماء ، لأنهم هم الذين يزجرون أهل المعاصي. والزجر في الأصل : الدفع بقوّة ، وهو هنا : قوّة التصويت ، ومنه قول الشاعر :
زجر أبي عروة السّباع إذا |
|
أشفق أن يختلطن بالغنم |
ومنه زجرت الإبل والغنم : إذا أفزعتها بصوتك ، والمراد ب (فَالتَّالِياتِ ذِكْراً) الملائكة التي تتلو القرآن كما قال ابن مسعود ، وابن عباس ، والحسن ، ومجاهد ، وابن جبير ، والسدّي. وقيل : المراد جبريل وحده ، فذكر بلفظ الجمع تعظيما له مع أنه لا يخلو من أتباع له من الملائكة. وقال قتادة : المراد كلّ من تلا ذكر الله وكتبه. وقيل : المراد آيات القرآن ، ووصفها بالتلاوة وإن كانت متلوّة كما في قوله : (إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ) (٢) وقيل : لأن بعضها يتلو بعضها ويتبعه. وذكر الماوردي أن التاليات : هم الأنبياء يتلون الذكر على أممهم ، وانتصاب ذكرا على أنه مفعول به ، ويجوز أن يكون مصدرا كما قبله من قوله (صَفًّا) و (زَجْراً). قيل : وهذه الفاء في قوله : (فَالزَّاجِراتِ) ، (فَالتَّالِياتِ) إما لترتب الصفات أنفسها في الوجود أو لترتب موصوفاتها في الفضل ، وفي الكلّ نظر ، وقوله : (إِنَّ إِلهَكُمْ لَواحِدٌ) جواب القسم ، أي : أقسم الله بهذه الأقسام إنه واحد ليس له شريك. وأجاز الكسائي فتح إن الواقعة في جواب القسم (رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) يجوز أن يكون خبرا ثانيا ، وأن يكون بدلا من (لَواحِدٌ) وأن يكون خبر مبتدأ محذوف. قال ابن الأنباري : الوقف على لواحد وقف حسن ، ثم يبتدئ ربّ السموات والأرض على معنى هو ربّ السموات والأرض. قال النحاس : ويجوز أن يكون بدلا من لواحد. والمعنى في الآية : أن وجود هذه المخلوقات على هذا الشكل البديع من أوضح الدلائل على وجود الصانع وقدرته ، وأنه ربّ ذلك كله ، أي : خالقه ومالكه ، والمراد بما بينهما : ما بين السموات والأرض من المخلوقات. والمراد ب (الْمَشارِقِ) مشارق الشمس. قيل : إن الله سبحانه خلق للشمس كلّ يوم مشرقا ومغربا بعدد أيام السنة ، تطلع كلّ يوم من واحد منها وتغرب من واحد ، كذا قال ابن الأنباري وابن عبد البرّ. وأما قوله في سورة الرحمن (رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ) (٣) فالمراد بالمشرقين : أقصى مطلع تطلع منه الشمس في الأيام الطوال ، وأقصر يوم في الأيام القصار ، وكذلك في المغربين. وأما ذكر المشرق والمغرب بالإفراد فالمراد به الجهة التي تشرق منها الشمس ، والجهة التي تغرب منها ، ولعله قد تقدّم لنا في هذا كلام أوسع من هذا (إِنَّا
__________________
(١). الملك : ١٩.
(٢). النمل : ٣٦.
(٣). الرحمن : ١٧.