عن ابن عباس في قوله : (يُطافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ) قال : الخمر (لا فِيها غَوْلٌ) قال ليس فيها صداع (وَلا هُمْ عَنْها يُنْزَفُونَ) قال : لا تذهب عقولهم. وأخرج ابن أبي حاتم ، وابن مردويه عنه قال في الخمر أربع خصال : السكر والصداع والقيء والبول ، فنزّه الله خمر الجنة عنها ، فقال : (لا فِيها غَوْلٌ) لا تغول عقولهم من السكر (وَلا هُمْ عَنْها يُنْزَفُونَ) قال : يقيئون عنها كما يقيء صاحب خمر الدنيا عنها. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس (لا فِيها غَوْلٌ) قال : هي الخمر ليس فيها وجع بطن. وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والبيهقي في البعث عنه أيضا في قوله : (وَعِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ) يقول : عن غير أزواجهنّ (كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ) قال : اللؤلؤ المكنون. وأخرج ابن المنذر عنه في قوله : (كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ) قال : بياض البيضة ينزع عنها فوقها وغشاؤها.
(فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ (٥٠) قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كانَ لِي قَرِينٌ (٥١) يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ (٥٢) أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَدِينُونَ (٥٣) قالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ (٥٤) فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَواءِ الْجَحِيمِ (٥٥) قالَ تَاللهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ (٥٦) وَلَوْ لا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (٥٧) أَفَما نَحْنُ بِمَيِّتِينَ (٥٨) إِلاَّ مَوْتَتَنَا الْأُولى وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (٥٩) إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (٦٠) لِمِثْلِ هذا فَلْيَعْمَلِ الْعامِلُونَ (٦١) أَذلِكَ خَيْرٌ نُزُلاً أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ (٦٢) إِنَّا جَعَلْناها فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ (٦٣) إِنَّها شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ (٦٤) طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ (٦٥) فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْها فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ (٦٦) ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْها لَشَوْباً مِنْ حَمِيمٍ (٦٧) ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ (٦٨) إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آباءَهُمْ ضالِّينَ (٦٩) فَهُمْ عَلى آثارِهِمْ يُهْرَعُونَ (٧٠) وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ (٧١) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا فِيهِمْ مُنْذِرِينَ (٧٢) فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ (٧٣) إِلاَّ عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ (٧٤))
قوله : (فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ) معطوف على يطاف ، أي : يسأل هذا ذاك ، وذاك هذا حال شربهم عن أحوالهم التي كانت في الدنيا ، وذلك من تمام نعيم الجنة. والتقدير : فيقبل بعضهم على بعض ، وإنما عبر عنه بالماضي للدلالة على تحقق وقوعه (قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ) أي : قال قائل من أهل الجنة في حال إقبال بعضهم على بعض بالحديث وسؤال بعضهم لبعض (إِنِّي كانَ لِي قَرِينٌ) أي : صاحب ملازم لي في الدنيا كافر بالبعث منكر له كما يدلّ عليه قوله : (أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ) يعني : بالبعث والجزاء ، وهذا الاستفهام من القرين لتوبيخ ذلك المؤمن وتبكيته بإيمانه ؛ وتصديقه بما وعد الله به من البعث ، وكان هذا القول منه في الدنيا. ثم ذكر ما يدلّ على الاستبعاد للبعث عنده وفي زعمه فقال : (أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَدِينُونَ) أي : مجزيون بأعمالنا ومحاسبون بها بعد أن صرنا ترابا وعظاما وقيل معنى مدينون : مسوسون ، يقال دانه : إذا ساسه. قال سعيد بن جبير : قرينه شريكه ، وقيل : أراد بالقرين الشيطان الذي يقارنه وأنه كان يوسوس إليه بإنكار البعث ، وقد مضى ذكر قصتهما في سورة الكهف ، والاختلاف في