ونهياه عن الجور فقالا : (فَاحْكُمْ بَيْنَنا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ) أي : لا تجر في حكمك ، يقال شط الرجل وأشط شططا وإشطاطا : إذا جار في حكمه. قال أبو عبيد : شططت عليه وأشططت : أي جرت. وقال الأخفش : معناه لا تسرف ، وقيل : لا تفرط ، وقيل : لا تمل. والمعنى متقارب. والأصل فيه البعد ، من شطت الدار : إذا بعدت. قال أبو عمرو : الشطط مجاوزة القدر في كلّ شيء (وَاهْدِنا إِلى سَواءِ الصِّراطِ) سواء الصراط : وسطه. والمعنى : أرشدنا إلى الحق واحملنا عليه. ثم لما أخبراه عن الخصومة إجمالا شرعا في تفصيلهما وشرحهما فقالا : (إِنَّ هذا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً) المراد بالأخوة هنا : أخوة الدين أو الصحبة ، والنعجة هي الأنثى من الضأن ، وقد يقال لبقر الوحش نعجة (وَلِيَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ) قال الواحدي : النعجة : البقرة الوحشية ، والعرب تكني عن المرأة بها ، وتشبه النساء بالنعاج من البقر. قرأ الجمهور (تِسْعٌ وَتِسْعُونَ) بكسر التاء الفوقية. وقرأ الحسن ، وزيد بن علي بفتحها. قال النحاس : وهي لغة شاذة ، وإنما عنى ب «هذا» داود لأنه كان له تسع وتسعون امرأة ، وعنى بقوله : (وَلِيَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ) [أوريا] زوج المرأة التي أراد أن يتزوجها داود كما سيأتي بيان ذلك (فَقالَ أَكْفِلْنِيها) أي : ضمها إليّ وانزل لي عنها حتى أكفلها وأصير بعلا لها. قال ابن كيسان : اجعلها كفلي ونصيبي (وَعَزَّنِي فِي الْخِطابِ) أي : غلبني ، يقال عزه يعزه عزا : إذا غلبه. وفي المثل «من عزّ بزّ» أي : من غلب سلب والاسم العزة : وهي القوة. قال عطاء : المعنى إن تكلم كان أفصح مني. وقرأ ابن مسعود وعبيد بن عمير «وعازني في الخطاب» أي : غالبني من المعازة وهي المغالبة (قالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ إِلى نِعاجِهِ) أي : بسؤاله نعجتك ليضمها إلى نعاجه التسع والتسعين إن كان الأمر على ما تقول ، واللام : هي الموطئة للقسم ، وهي : وما بعدها جواب للقسم المقدر ، وجاء بالقسم في كلامه مبالغة في إنكار ما سمعه من طلب صاحب التسع والتسعين النعجة أن يضم إليه النعجة الواحدة التي مع صاحبه ولم يكن معه غيرها. ويمكن أنه إنما قال بهذا بعد أن سمع الاعتراف من الآخر. قال النحاس. ويقال : إن خطيئة داود هي قوله : (لَقَدْ ظَلَمَكَ) لأنه قال ذلك قبل أن يتثبت (وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطاءِ) وهم الشركاء واحدهم خليط : وهو المخالط في المال (لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ) أي : يتعدى بعضهم على بعض ، ويظلمه غير مراع لحقه (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) فإنهم يتحامون ذلك ، ولا يظلمون خليطا ولا غيره (وَقَلِيلٌ ما هُمْ) أي : وقليل هم ، وما : زائدة للتوكيد والتعجيب. وقيل : هي موصولة ، وهم : مبتدأ ، وقليل : خبره (وَظَنَّ داوُدُ أَنَّما فَتَنَّاهُ). قال أبو عمرو والفراء : ظن يعني أيقن. ومعنى «فتناه» ابتليناه ، والمعنى : أنه عند أن تخاصما إليه وقال ما قال علم عند ذلك أنه المراد ، وأن مقصودهما التعريض به وبصاحبه الذي أراد أن ينزل له عن امرأته. قال الواحدي : قال المفسرون : فلما قضى بينهما داود نظر أحدهما إلى صاحبه فضحك ، فعند ذلك علم داود بما أراده. قرأ الجمهور : «فتناه» بالتخفيف للتاء وتشديد النون. وقرأ عمر بن الخطاب ، والحسن ، وأبو رجاء بالتشديد للتاء والنون ، وهي مبالغة في الفتنة. وقرأ الضحاك «افتناه» وقرأ قتادة وعبيد بن عمير وابن السميقع «فتناه» بتخفيفهما وإسناد الفعل إلى الملكين ، ورويت هذه القراءة عن أبي عمرو (فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ)