كأنك قلت ما يوحى إليّ إلا الإنذار. قال النحاس : ويجوز أن تكون في محل نصب بمعنى ما يوحى إليّ إلا لأنما أنا نذير مبين. قرأ الجمهور بفتح همزة أنما على أنها وما في حيزها في محل رفع لقيامها مقام الفاعل ، أي : ما يوحى إليّ إلا الإنذار ، أو إلا كوني نذيرا مبينا ، أو في محل نصب ، أو جرّ بعد إسقاط لام العلة ، والقائم مقام الفاعل على هذا الجارّ والمجرور. وقرأ أبو جعفر بكسر الهمزة لأن في الوحي معنى القول ، وهي القائمة مقام الفاعل على سبيل الحكاية ، كأنه قيل : ما يوحى إليّ إلا هذه الجملة المتضمنة لهذا الإخبار ، وهو أن أقول لكم : إنما أنا نذير مبين. وقيل : إن الضمير في يختصمون عائد إلى قريش ؛ يعني قول من قال منهم : الملائكة بنات الله ، والمعنى : ما كان لي علم بالملائكة إذ تختصم فيهم قريش ، والأوّل أولى.
وقد أخرج ابن جرير ، وابن المنذر عن ابن عباس في قوله : (وَغَسَّاقٌ) قال : الزمهرير (وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ) قال : من نحوه (أَزْواجٌ) قال : ألوان من العذاب. وأخرج أحمد ، والترمذي ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وابن حبان ، والحاكم وصححه ، وابن مردويه ، والبيهقي في البعث عن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «لو أنّ دلوا من غسّاق يهرق في الدنيا لأنتن أهل الدنيا». قال الترمذي بعد إخراجه : لا نعرفه إلّا من حديث رشدين بن سعد. قلت : ورشدين فيه مقال معروف. وأخرج عبد بن حميد ، وابن أبي حاتم ، والطبراني ، عن ابن مسعود في قوله : (فَزِدْهُ عَذاباً ضِعْفاً فِي النَّارِ) قال : أفاعي وحيات. وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : (بِالْمَلَإِ الْأَعْلى) قال : الملائكة حين شووروا في خلق آدم فاختصموا فيه ، وقالوا : لا تجعل في الأرض خليفة. وأخرج محمّد بن نصر في كتاب الصلاة ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عنه في قوله : (ما كانَ لِي مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلى إِذْ يَخْتَصِمُونَ) قال : هي الخصومة في شأن آدم حيث قالوا : (أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها). وأخرج عبد الرزاق ، وأحمد ، وعبد بن حميد ، والترمذي وحسنه ، وابن نصر في كتاب الصلاة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «أتاني الليلة ربي في أحسن صورة ، أحسبه قال في المنام ، قال : يا محمّد هل تدري فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت لا ، فوضع يده بين كتفيّ حتى وجدت بردها بين ثديي أو في نحري ، فعلمت ما في السموات والأرض ، ثم قال لي : يا محمّد هل تدري فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت نعم في الكفارات ، والكفارات : المكث في المساجد بعد الصلوات ، والمشي على الأقدام إلى الجماعات ، وإبلاغ الوضوء في المكاره» الحديث (١). وأخرج الترمذي وصححه ، ومحمّد بن نصر ، والطبراني ، والحاكم ، وابن مردويه من حديث معاذ بن جبل نحوه بأطول منه ، وقال «وإسباغ الوضوء في السّبرات» (٢). وأخرج الطبراني وابن مردويه من حديث جابر بن سمرة نحوه بأخصر منه. وأخرجا أيضا من حديث أبي هريرة نحوه ، وفي الباب أحاديث.
__________________
(١). للحديث روايات عدة ذكرها السيوطي في الدر المنثور (٧ / ٢٠٢) وللحافظ ابن رجب الحنبلي رسالة في شرح هذا الحديث سماها : «اختيار الأولى في شرح حديث اختصام الملأ الأعلى» فلتراجع فإنها قيمة.
(٢). السبرات : جمع سبرة وهي شدة البرد.