عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا) الآية في مشركي أهل مكة. وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، والطبراني ، والحاكم وصححه ، وابن مردويه ، والبيهقي في الدلائل عن ابن عمر قال : كنا نقول ليس لمفتتن توبة وما الله بقابل منه شيئا ، عرفوا الله وآمنوا به وصدّقوا رسوله ثم رجعوا عن ذلك لبلاء أصابهم ، وكانوا يقولونه لأنفسهم ، فلما قدم رسول الله صلىاللهعليهوسلم المدينة أنزل الله فيهم (يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا) الآيات ؛ قال ابن عمر : فكتبتها بيدي ، ثم بعثت بها إلى هشام بن العاصي. وأخرج ابن أبي حاتم ، وابن مردويه عن أبي سعد قال : لما أسلم وحشي أنزل الله (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِ) (١) قال وحشيّ وأصحابه : قد ارتكبنا هذا كله ، فأنزل الله (قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا) الآية. وأخرج البخاري في الأدب المفرد عن أبي هريرة قال : «خرج النبيّ صلىاللهعليهوسلم على رهط من أصحابه وهم يضحكون ويتحدّثون فقال : والذي نفسي بيده لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ، ولبكيتم كثيرا ، ثم انصرف وأبكى القوم ، وأوحى الله إليه : يا محمد لم تقنط عبادي؟ فرجع النبيّ صلىاللهعليهوسلم فقال : أبشروا وسدّدوا وقاربوا». وأخرج ابن مردويه ، والبيهقي في سننه ، عن عمر بن الخطاب أنها نزلت فيمن افتتن. وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس أنها نزلت في مشركي مكة لما قالوا إن الله لا يغفر لهم ما قد اقترفوه من الشرك وقتل الأنفس وغير ذلك. وأخرج أحمد ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، والبيهقي في الشعب عن ثوبان : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «ما أحبّ أن لي الدنيا وما فيها بهذه الآية (يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ) إلى آخر الآية ، فقال رجل ومن أشرك؟ فسكت النبي صلىاللهعليهوسلم ، قال ألا ومن أشرك ثلاث مرات». وأخرج أحمد ، وعبد بن حميد ، وأبو داود ، والترمذي وحسنه ، وابن المنذر ، وابن الأنباري في المصاحف ، والحاكم ، وابن مردويه عن أسماء بنت يزيد سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقرأ «يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا ولا يبالي إنه هو الغفور الرحيم». وأخرج ابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن أبي الدنيا في حسن الظن بالله وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، والطبراني ، والبيهقي في الشعب عن ابن مسعود أنه مرّ على قاض يذكر الناس فقال : يا مذكر الناس لا تقنط الناس ، ثم قرأ (يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا) الآية. وأخرج ابن جرير عن ابن سيرين قال : قال عليّ : أيّ آية أوسع؟ فجعلوا يذكرون آيات من القرآن (وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ) (٢) الآية ونحوها ، فقال عليّ : ما في القرآن أوسع من (يا عِبادِيَ) الآية. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في قوله : (يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ) الآية قال : قد دعا الله إلى مغفرته من زعم أن المسيح ابن الله ، ومن زعم أن عزيرا ابن الله ، ومن زعم أن الله فقير ، ومن زعم أن يد الله مغلولة ، ومن زعم أن الله ثالث لهؤلاء (أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) ثم دعا إلى توبته من هو أعظم قولا من هؤلاء من (فَقالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى) (٣) وقال : (ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي) (٤) قال ابن عباس ؛ ومن آيس العباد من التوبة بعد هذا فقد جحد كتاب الله ، ولكن لا يقدر العبد أن يتوب حتى يتوب الله عليه. وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ،
__________________
(١). الفرقان : ٦٨.
(٢). النساء : ١١٠.
(٣). النازعات : ٢٤.
(٤). القصص : ٣٨.