من الأجر كأصحّ ما كانوا يعملون فيه. ثم أمر الله سبحانه رسوله صلىاللهعليهوسلم أن يوبخهم ويقرعهم فقال : (قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ) أي : لتكفرون بمن شأنه هذا الشأن العظيم ، وقدرته هذه القدرة الباهرة. قيل : اليومان هما يوم الأحد ، ويوم الإثنين ، وقيل : المراد مقدار يومين ؛ لأن اليوم الحقيقي إنما يتحقق بعد وجود الأرض والسماء. قرأ الجمهور (أَإِنَّكُمْ) بهمزتين الثانية بين بين ، وقرأ ابن كثير بهمزة وبعدها ياء خفيفة (وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْداداً) أي : أضداد وشركاء ، والجملة معطوفة على تكفرون داخلة تحت الاستفهام ، والإشارة بقوله : (ذلِكَ) إلى الموصول المتصف بما ذكر وهو : مبتدأ ، وخبره : (رَبُّ الْعالَمِينَ) ومن جملة العالمين ما تجعلونها أندادا لله فكيف تجعلون بعض مخلوقاته شركاء له في عبادته ، وقوله : (وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ) معطوف على خلق ، أي : كيف تكفرون بالذي خلق الأرض ، وجعل فيها رواسي ، أي : جبالا ثوابت من فوقها ، وقيل : جملة وجعل فيها رواسي مستأنفة غير معطوفة على خلق لوقوع الفصل بينهما بالأجنبي. والأوّل أولى لأن الجملة الفاصلة هي مقررة لمضمون ما قبلها فكانت بمنزلة التأكيد ، ومعنى (مِنْ فَوْقِها) أنها مرتفعة عليها لأنها من أجزاء الأرض ، وإنما خالفتها باعتبار الارتفاع ، فكانت من هذه الحيثية كالمغايرة لها (وَبارَكَ فِيها) أي : جعلها مباركة كثيرة الخير بما خلق فيها من المنافع للعباد. قال السدي : أنبت فيها شجرها (وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها) قال قتادة ومجاهد : خلق فيها أنهارها وأشجارها ودوابها ، وقال الحسن وعكرمة والضحاك : قدّر فيها أرزاق أهلها ، وما يصلح لمعايشهم من التجارات ، والأشجار ، والمنافع ، جعل في كلّ بلد ما لم يجعله في الأخرى ليعيش بعضهم من بعض بالتجارة ، والأسفار من بلد إلى بلد ، ومعنى : (فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ) أي : في تتمة أربعة أيام باليومين المتقدّمين. قاله الزجاج وغيره. قال ابن الأنباري : ومثاله قول القائل خرجت من البصرة إلى بغداد في عشرة أيام ، وإلى الكوفة في خمسة عشر يوما ، أي : في تتمة خمسة عشر يوما ، فيكون المعنى : أن حصول جميع ما تقدّم من خلق الأرض وما بعدها في أربعة أيام. وانتصاب (سَواءً) على أنه مصدر مؤكد لفعل محذوف هو صفة للأيام ، أي : استوت سواء بمعنى استواء ، ويجوز أن يكون منتصبا على الحال من الأرض ، أو من الضمائر الراجعة إليها. قرأ الجمهور بنصب (سَواءً) وقرأ زيد بن علي ، والحسن ، وابن أبي إسحاق ، وعيسى ، ويعقوب ، وعمرو بن عبيد بخفضه على أنه صفة الأيام. وقرأ أبو جعفر برفعه على أنه خبر مبتدأ محذوف. قال الحسن : المعنى في أربعة أيام مستوية تامة ، وقوله : (لِلسَّائِلِينَ) : متعلق بسواء ، أي : مستويات للسائلين ، أو بمحذوف كأنه قيل : هذا الحصر للسائلين في كم خلقت الأرض وما فيها؟ أو متعلق بقدّر ، أي : قدّر فيها أقواتها لأجل الطالبين المحتاجين إليها. قال الفراء : في الكلام تقديم وتأخير ، والمعنى : وقدّر فيها أقواتها سواء للمحتاجين في أربعة أيام ، واختار هذا ابن جرير. ثم لما ذكر سبحانه خلق الأرض وما فيها ؛ ذكر كيفية خلقه للسموات فقال : (ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ) أي : عمد وقصد نحوها قصدا سويا. قال الرازي : هو من قولهم : استوى إلى مكان كذا : إذا توجه إليه توجها لا يلتفت معه إلى عمل آخر ، وهو من الاستواء الذي هو ضدّ الاعوجاج ، ونظيره قولهم استقام إليه ، ومنه قوله تعالى : (فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ) (١) ، والمعنى : ثم دعاه داعي الحكمة إلى خلق
__________________
(١). فصلت : ٦.