السموات بعد خلق الأرض وما فيها. قال الحسن : معنى الآية صعد أمره إلى السماء (وَهِيَ دُخانٌ) الدخان : ما ارتفع من لهب النار ، ويستعار لما يرى من بخار الأرض. قال المفسرون : هذا الدخان هو بخار الماء ، وخصّ سبحانه الاستواء إلى السماء مع كون الخطاب المترتب على ذلك متوجها إليها. وإلى الأرض كما يفيده قوله : (فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً) استغناء بما تقدّم من ذكر تقديرها ، وتقدير ما فيها ، ومعنى ائتيا : افعلا ما آمركما به وجيئا به ، كما يقال ائت ما هو الأحسن أي : افعله. قال الواحدي : قال المفسرون : إن الله سبحانه قال : أما أنت يا سماء فاطلعي شمسك ، وقمرك ، ونجومك ، وأما أنت يا أرض فشقي أنهارك ، وأخرجي ثمارك ، ونباتك. قرأ الجمهور (ائْتِيا) أمرا من الإتيان. وقرأ ابن عباس ، وابن جبير ، ومجاهد «آتيا» قالتا آتينا بالمدّ فيهما ، وهو إما من المؤاتاة ، وهي الموافقة ، أي : لتوافق كلّ منكما الأخرى أو من الإيتاء وهو الإعطاء فوزنه على الأوّل فاعلا كقاتلا ، وعلى الثاني افعلا كأكرما (طَوْعاً أَوْ كَرْهاً) مصدران في موضع الحال ، أي : طائعتين أو مكرهتين ، وقرأ الأعمش «كرها» بالضمّ. قال الزجاج : أطيعا طاعة أو تكرهان كرها. قيل ومعنى هذا الأمر لهما التسخير : أي كونا فكانتا ، كما قال تعالى : (إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (١) فالكلام من باب التمثيل لتأثير قدرته واستحالة امتناعها (قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ) أي : أتينا أمرك منقادين ومعهما جمع من يعقل لخطابهما بما يخاطب به العقلاء. قال القرطبي : قال أكثر أهل العلم إن الله سبحانه خلق فيهما الكلام فتكلمتا كما أراد سبحانه ، وقيل : هو تمثيل لظهور الطاعة منهما ، وتأثير القدرة الربانية فيهما (فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ) أي : خلقهنّ وأحكمهنّ وفرغ منهنّ. كما في قول الشاعر :
وعليهما مسرودتان قضاهما |
|
داود أو صنع السّوابغ تبّع (٢) |
والضمير في قضاهنّ : إما راجع إلى السماء على المعنى لأنها سبع سموات ، أو مبهم مفسر بسبع سموات ، وانتصاب سبع سموات على التفسير ، أو على البدل من الضمير. وقيل : إن انتصابه على أنه المفعول الثاني لقضاهنّ لأنه مضمن معنى صيرهنّ ، وقيل على الحال ، أي : قضاهنّ حال كونهنّ معدودات بسبع ، ويكون قضى بمعنى صنع ، وقيل : على التمييز ، ومعنى : (فِي يَوْمَيْنِ) كما سبق في قوله : (خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ) فالجملة ستة أيام ، كما في قوله سبحانه : (خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ) (٣) وقد تقدّم بيانه في سورة الأعراف. قال مجاهد : ويوم من الستة الأيام كألف سنة مما تعدّون. قال عبد الله بن سلام : خلق الأرض في يوم الأحد ويوم الإثنين ، وقدّر فيها أقواتها يوم الثلاثاء ويوم الأربعاء ، وخلق السموات في يوم الخميس ويوم الجمعة ، وقوله : (وَأَوْحى فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها) عطف على قضاهنّ. قال قتادة والسدّي ، أي : خلق فيها شمسها ، وقمرها ، ونجومها ، وأفلاكها ، وما فيها من الملائكة ، والبحار ، والبرد ، والثلوج. وقيل
__________________
(١). النحل : ٤٠.
(٢). البيت لأبي ذؤيب الهذلي ، و «الصّنع» : الحاذق.
(٣). الأعراف : ٥٤.