أو المراد : حوّاء لكونها خلقت من ضلع آدم. وقال مجاهد : نسلا بعد نسل (وَمِنَ الْأَنْعامِ أَزْواجاً) أي : وخلق للأنعام من جنسها إناثا ، أو : وخلق لكم من الأنعام أصنافا من الذكور والإناث ، وهي الثمانية التي ذكرها في الأنعام (يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ) أي : يبثكم ، من الذرء : وهو البثّ ، أو يخلقكم وينشئكم ، والضمير في يذرؤكم للمخاطبين ، والأنعام إلا أنه غلب فيه العقلاء ، وضمير فيه راجع إلى الجعل المدلول عليه بالفعل ، وقيل : راجع إلى ما ذكر من التدبير. وقال الفراء والزجاج وابن كيسان : معنى يذرؤكم فيه يكثركم به : أي يكثركم بجعلكم أزواجا لأن ذلك سبب النسل. وقال ابن قتيبة : يذرؤكم فيه ، أي : في الزوج ، وقيل : في البطن ، وقيل : في الرحم (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) المراد بذكر المثل هنا : المبالغة في النفي بطريق الكناية ، فإنه إذا نفي عمن يماثله كان نفيه عنه أولى. كقولهم : مثلك لا يبخل ، وغيرك لا يجود ، وقيل : إن الكاف زائدة للتوكيد ، أي : ليس مثله شيء ، وقيل : إن مثل زائدة ، قاله ثعلب وغيره كما في قوله : (فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ ما آمَنْتُمْ بِهِ) (١) أي : بما آمنتم به ، ومنه قول أوس بن حجر :
وقتلى كمثل جذوع النّخيل |
|
يغشاهم مطر منهمر |
أي : كجذوع ، والأوّل أولى ، فإن الكناية باب مسلوك للعرب ، ومهيع مألوف لهم ، ومنه قول الشاعر :
ليس كمثل الفتى زهير |
|
خلق يوازيه في الفضائل |
وقال آخر :
على مثل ليلى يقتل المرء نفسه |
|
وإن بات من ليلى على اليأس طاويا |
وقال آخر :
سعد بن زيد إذا أبصرت فضلهم |
|
فما كمثلهم في النّاس من أحد |
قال ابن قتيبة : العرب تقيم المثل مقام النفس ، فتقول : مثلي لا يقال له هذا ، أي : أنا لا يقال لي. وقال أبو البقاء مرجحا لزيادة الكاف : إنها لو لم تكن زائدة لأفضى ذلك إلى المحال ، إذ يكون المعنى : أن له مثلا وليس لمثله مثل ، وفي ذلك تناقض ، لأنه إذا كان له مثل فلمثله مثل ، وهو هو مع أن إثبات المثل لله سبحانه محال ، وهذا تقرير حسن ، ولكنه يندفع ما أورده بما ذكرنا من كون الكلام خارجا مخرج الكناية ، ومن فهم هذه الآية الكريمة حقّ فهمها ، وتدبرها حق تدبرها مشى بها عند اختلاف المختلفين في الصفات على طريقة بيضاء واضحة ، ويزداد بصيرة إذا تأمل معنى قوله : (وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) فإن هذا الإثبات بعد ذلك النفي للماثل قد اشتمل على برد اليقين ، وشفاء الصدور ، وانثلاج القلوب ، فاقدر يا طالب الحقّ قدر هذه الحجة النيرة ، والبرهان القويّ ، فإنك تحطم بها كثيرا من البدع ، وتهشم بها رؤوسا من الضلالة ، وترغم بها آناف طوائف من المتكلفين ، ولا سيما إذا ضممت إليه قول الله سبحانه : (وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً) (٢)
__________________
(١). البقرة : ١٣٧.
(٢). طه : ١١٠.