فإنك حينئذ قد أخذت بطرفي حبل ما يسمّونه علم الكلام ، وعلم أصول الدين :
ودع عنك نهبا صيح في حجراته |
|
ولكن حديث ما حديث الرّواحل |
(لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي : خزائنهما أو مفاتيحهما ، وقد تقدّم تحقيقه في سورة الزمر ، وهي جمع إقليد ، وهو المفتاح جمع على خلاف القياس. قال النحاس : والذي يملك المفاتيح يملك الخزائن. ثم لما ذكر سبحانه أن بيده مقاليد السموات والأرض ذكر بعده البسط والقبض فقال : (يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ) أي : يوسعه لمن يشاء من خلقه ، ويضيقه على من يشاء (إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ) من الأشياء (عَلِيمٌ) فلا تخفى عليه خافية ، وإحاطة علمه بكل شيء يندرج تحتها علمه بطاعة المطيع ومعصية العاصي ، فهو يجازي كلا بما يستحقه من خير وشرّ.
وقد أخرج أحمد ، والترمذي وصححه ، والنسائي ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن مردويه عن عبد الله ابن عمرو. قال : خرج علينا رسول الله صلىاللهعليهوسلم وفي يده كتابان. فقال : أتدرون ما هذان الكتابان؟ قلنا لا ، إلا أن تخبرنا يا رسول الله ، قال : للذي في يده اليمنى : هذا كتاب من ربّ العالمين بأسماء أهل الجنة وأسماء آبائهم وقبائلهم ، ثم أجمل على آخرهم فلا يزاد فيهم ولا ينقص منهم ؛ ثم قال للذي في شماله : هذا كتاب من ربّ العالمين بأسماء أهل النار وأسماء آبائهم وقبائلهم ، ثم أجمل على آخرهم فلا يزاد فيهم ولا ينقص منهم أبدا ، فقال أصحابه : ففيم العمل يا رسول الله إن كان أمر قد فرغ منه؟ فقال : سدّدوا وقاربوا ، فإن صاحب الجنة يختم له بعمل أهل الجنة وإن عمل أيّ عمل ، وإن صاحب النار يختم له بعمل أهل النار وإن عمل أيّ عمل له. قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم بيديه فنبذهما ، ثم قال : فرغ ربكم من العباد فريق في الجنة وفريق في السعير» قال الترمذي بعد إخراجه : حديث حسن صحيح غريب. وروى ابن جرير طرفا منه عن ابن عمر موقوفا عليه. قال ابن جرير : وهذا الموقوف أشبه بالصواب. قلت : بل المرفوع أشبه بالصواب ، فقد رفعه الثقة ورفعه زيادة ثابتة من وجه صحيح ، ويقوّي الرّفع ما أخرجه ابن مردويه عن البراء. قال : «خرج علينا رسول الله صلىاللهعليهوسلم في يده كتاب ينظر فيه قالوا : انظروا إليه كيف وهو أميّ لا يقرأ ، قال : فعلمها رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فقال : هذا كتاب من ربّ العالمين بأسماء أهل الجنة وأسماء قبائلهم لا يزاد منهم ولا ينقص منهم ، وقال : فريق في الجنة ، وفريق في السعير فرغ ربكم من أعمال العباد».
(شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ (١٣) وَما تَفَرَّقُوا إِلاَّ مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (١٤) فَلِذلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِما أَنْزَلَ اللهُ مِنْ كِتابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللهُ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ لا حُجَّةَ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ اللهُ يَجْمَعُ بَيْنَنا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (١٥) وَالَّذِينَ