وهو محمد صلىاللهعليهوسلم (بَغْياً) منهم عليه ، وقد كانوا يقولون ما حكاه الله عنهم بقوله : (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَهُمْ نَذِيرٌ) (١) الآية ، وبقوله : (فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ) (٢) وقيل : المراد أمم الأنبياء المتقدمين ، وأنهم فيما (بَيْنَهُمْ) اختلفوا لما طال بهم المدى فآمن قوم ، وكفر قوم ، وقيل : اليهود والنصارى خاصة كما في قوله : (وَما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ) (٣) (وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ) وهي تأخير العقوبة (إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) وهو يوم القيامة كما في قوله : (بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ) (٤) وقيل : إلى الأجل الذي قضاه الله لعذابهم في الدنيا بالقتل والأسر ، والذلّ والقهر (لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ) أي : لوقع القضاء بينهم بإنزال العقوبة بهم معجلة ، وقيل : لقضي بين من آمن منهم ، ومن كفر بنزول العذاب بالكافرين ، ونجاة المؤمنين (وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتابَ) من اليهود والنصارى (مِنْ بَعْدِهِمْ) من بعد من قبلهم من اليهود والنصارى (لَفِي شَكٍّ مِنْهُ) أي من القرآن ، أو من محمد (مُرِيبٍ) موقع في الريب ولذلك لم يؤمنوا. وقال مجاهد : معنى من بعدهم : من قبلهم : يعني من قبل مشركي مكة ، وهم اليهود والنصارى. وقيل المراد كفار المشركين من العرب الذين أورثوا القرآن من بعد ما أورث أهل الكتاب كتابهم ، وصفهم بأنهم في شك من القرآن مريب. قرأ الجمهور (أُورِثُوا) وقرأ زيد بن عليّ «ورثوا» بالتشديد (فَلِذلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ) أي : فلأجل ما ذكر من التفرّق والشكّ ، أو فلأجل أنه شرع من الدين ما شرع فادع واستقم ؛ أي : فادع إلى الله وإلى توحيده واستقم على ما دعوت إليه. قال الفراء والزجاج : المعنى فإلى ذلك فادع كما تقول : دعوت إلى فلان ولفلان ، وذلك إشارة إلى ما وصى به الأنبياء من التوحيد. وقيل : في الكلام تقديم وتأخير ، والمعنى : كبر على المشركين ما تدعوهم إليه فلذلك فادع. قال قتادة : استقم على أمر الله. وقال سفيان : استقم على القرآن. وقال الضحاك : استقم على تبليغ الرسالة (كَما أُمِرْتَ) بذلك من جهة الله (وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ) الباطلة وتعصباتهم الزائغة ، ولا تنظر إلى خلاف من خالفك في ذكر الله (وَقُلْ آمَنْتُ بِما أَنْزَلَ اللهُ مِنْ كِتابٍ) أي : بجميع الكتب التي أنزلها الله على رسله ، لا كالذين آمنوا ببعض منها وكفروا ببعض (وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ) في أحكام الله إذا ترافعتم إليّ ، ولا أحيف عليكم بزيادة على ما شرعه الله ، أو بنقصان منه ، وأبلغ إليكم ما أمرني الله بتبليغه كما هو ، واللام لام كي ، أي : أمرت بذلك الذي أمرت به لكي أعدل بينكم ، وقيل : هي زائدة ، والمعنى : أمرت أن أعدل. والأوّل أولى. قال أبو العالية : أمرت لأسوّي بينكم في الدين فأومن بكل كتاب وبكل رسول. والظاهر أن الآية عامة في كل شيء ، والمعنى : أمرت لأعدل بينكم في كل شيء (اللهُ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ) أي : إلهنا وإلهكم ، وخالقنا وخالقكم (لَنا أَعْمالُنا) أي : ثوابها وعقابها خاصّ بنا (وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ) أي : ثوابها وعقابها خاصّ بكم (لا حُجَّةَ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ) أي : لا خصومة بيننا وبينكم ، لأن الحق قد ظهر ووضح (اللهُ يَجْمَعُ بَيْنَنا) في المحشر (وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ) أي : المرجع يوم القيامة فيجازي كلا بعمله : وهذا منسوخ بآية السيف. قيل : الخطاب لليهود ، وقيل : للكفار على العموم (وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللهِ مِنْ بَعْدِ ما اسْتُجِيبَ لَهُ) أي :
__________________
(١). فاطر : ٤٢.
(٢). البقرة : ٨٩.
(٣). التين : ٤.
(٤). القمر : ٤٦.