بباله شيئا مما كذب فيه كما تزعمون. قال قتادة : يختم على قلبك فينسيك القرآن ، فأخبرهم أنه لو افترى عليه لفعل به ما أخبرهم به في هذه الآية. وقال مجاهد ومقاتل : إن يشأ يربط على قلبك بالصبر على أذاهم حتى لا يدخل قلبك مشقة من قولهم. وقيل الخطاب له ، والمراد الكفار ، أي : إن يشأ يختم على قلوب الكفار ، ويعاجلهم بالعقوبة ، ذكره القشيري. وقيل المعنى : لو حدّثتك نفسك أن تفتري على الله كذبا لطبع على قلبك ، فإنه لا يجترئ على الكذب إلا من كان مطبوعا على قلبه ، والأوّل أولى ، وقوله : (وَيَمْحُ اللهُ الْباطِلَ) استئناف مقرّر لما قبله من نفي الافتراء. قال ابن الأنباري : يختم على قلبك تامّ ، يعني وما بعده مستأنف. وقال الكسائي : فيه تقديم وتأخير ، أي : والله يمحو الباطل. وقال الزجاج : أم يقولون افترى على الله كذبا تامّ. وقوله : (وَيَمْحُ اللهُ الْباطِلَ) احتجاج على من أنكر ما أتى به النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، أي : لو كان ما أتى به النبيّ صلىاللهعليهوسلم باطلا لمحاه. كما جرت به عادته في المفترين (وَيُحِقُّ الْحَقَ) أي الإسلام فيبينه (بِكَلِماتِهِ) أي : بما أنزل من القرآن (إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) عالم بما في قلوب العباد ، وقد سقطت الواو من ويمحو في بعض المصاحف كما حكاه الكسائي (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ) أي : يقبل من المذنبين من عباده توبتهم إليه مما عملوا من المعاصي واقترفوا من السيئات ، والتوبة الندم على المعصية والعزم على عدم المعاودة لها. وقيل : يقبل التوبة عن أوليائه وأهل طاعته. والأوّل أولى ، فإن التوبة مقبولة من جميع العباد مسلمهم وكافرهم ؛ إذا كانت صحيحة صادرة عن خلوص نية ، وعزيمة صحيحة (وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ) على العموم لمن تاب عن سيئته (وَيَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ) من خير وشرّ فيجازى كلا بما يستحقه. قرأ حمزة ، والكسائي ، وحفص ، وخلف (تَفْعَلُونَ) بالفوقية على الخطاب. وقرأ الباقون بالتحتية على الخبر ، واختار القراءة الثانية أبو عبيدة ، وأبو حاتم لأن هذا الفعل وقع بين خبرين (وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) الموصول في موضع نصب ، أي : يستجيب الله للذين آمنوا ويعطيهم ما طلبوه منه ، يقال أجاب واستجاب بمعنى. وقيل : المعنى يقبل عبادة المخلصين ، وقيل : التقدير ويستجيب لهم ، فحذف اللام كما حذف في قوله : (وَإِذا كالُوهُمْ) أي : كالوا لهم ، وقيل : إن الموصول في محل رفع : أي يجيبون ربهم إذا دعاهم كقوله : (اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ) (١) قال المبرد : معنى (وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا) ويستدعي الذين آمنوا الإجابة ، هكذا حقيقة معنى استفعل ، فالذين في موضع رفع ، والأوّل أولى (وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ) أي : يزيدهم على ما طلبوه منه ، أو على ما يستحقونه من الثواب تفضلا منه ، وقيل : يشفعهم في إخوانهم (وَالْكافِرُونَ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ) هذا للكافرين مقابلا ما ذكره للمؤمنين فيما قبله (وَلَوْ بَسَطَ اللهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ) أي : لو وسع الله لهم رزقهم لبغوا في الأرض : لعصوا فيها ، وبطروا النعمة ، وتكبروا ، وطلبوا ما ليس لهم طلبه ، وقيل المعنى : لو جعلهم سواء في الرزق لما انقاد بعضهم لبعض ، ولتعطلت الصنائع ، والأوّل أولى. والظاهر عموم أنواع الرزق ، وقيل : هو المطر خاصة (وَلكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ ما يَشاءُ) أي : ينزل من الرزق لعباده بتقدير على حسب مشيئته ، وما تقتضيه حكمته
__________________
(١). الأنفال ٢٤.