أن يأكل وحده حتى يجد له أكيلا يؤاكله فيأكل معه ، وبعض العرب كان لا يأكل إلا مع ضيف ، ومنه قول حاتم :
إذا ما صنعت الزاد فالتمسي له |
|
أكيلا فإنّي لست آكله وحدي |
(فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً) هذا شروع في بيان أدب آخر أدّب به عباده ، أي : إذا دخلتم بيوتا غير البيوت التي تقدّم ذكرها (فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ) أي : على أهلها الذين هم بمنزلة أنفسكم. وقيل : المراد البيوت المذكورة سابقا. وعلى القول الأوّل ، فقال الحسن والنخعي : هي المساجد ، والمراد سلموا على من فيها من صنفكم ، فإن لم يكن في المساجد أحد ، فقيل يقول : السلام على رسول الله ، وقيل يقول : السلام عليكم مريدا للملائكة ، وقيل يقول : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين. وقال بالقول الثاني : أعني أنها البيوت المذكورة سابقا جماعة من الصحابة والتابعين ، وقيل : المراد بالبيوت هنا هي كلّ البيوت المسكونة وغيرها ، فيسلم على أهل المسكونة ، وأما على غير المسكونة فيسلم على نفسه. قال ابن العربي : القول بالعموم في البيوت هو الصحيح ، وانتصاب (تَحِيَّةً) على المصدرية ، لأن قوله فسلموا معناه فحيوا ، أي : تحية ثابتة (مِنْ عِنْدِ اللهِ) أي : إن الله حياكم بها. وقال الفرّاء : أي : إن الله أمركم أن تفعلوها طاعة له ، ثم وصف هذه التحية فقال : (مُبارَكَةً) أي : كثيرة البركة والخير ، دائمتهما (طَيِّبَةً) أي : تطيب بها نفس المستمع ، وقيل : حسنة جميلة. وقال الزجاج : أعلم الله سبحانه أن السلام مبارك طيب لما فيه من الأجر والثواب ، ثم كرّر سبحانه فقال : (كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ) تأكيدا لما سبق. وقد قدّمنا أن الإشارة بذلك إلى مصدر الفعل (لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) تعليل لذلك التبيين برجاء تعقل آيات الله سبحانه وفهم معانيها.
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل بن حيان قال : بلغنا أن رجلا من الأنصار وامرأته أسماء بنت مرشدة صنعا للنبي صلىاللهعليهوسلم طعاما ، فقالت أسماء : يا رسول الله! ما أقبح هذا إنه ليدخل على المرأة وزوجها ، وهما في ثوب واحد ، غلامهما بغير إذن ، فأنزل الله في ذلك (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) يعني : العبيد والإماء (وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ) قال : من أحراركم من الرجال والنساء. وأخرج ابن أبي حاتم عن السدّي في هذه الآية قال : كان أناس من أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم يعجبهم أن يواقعوا نساءهم في هذه الساعات ليغتسلوا ، ثم يخرجوا إلى الصلاة ، فأمرهم الله أن يأمروا المملوكين والغلمان أن لا يدخلوا عليهم في تلك الساعات إلا بإذن. وأخرج ابن مردويه عن ثعلبة القرظي عن عبد الله بن سويد قال : «سألت رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن العورات الثلاث ، فقال : إذا أنا وضعت ثيابي بعد الظهيرة لم يلج عليّ أحد من الخدم من الذين لم يبلغوا الحلم ، ولا أحد لم يبلغ الحلم من الأحرار إلا بإذن ، وإذا وضعت ثيابي بعد صلاة العشاء ، ومن قبل صلاة الصّبح». وأخرجه عبد بن حميد والبخاري في الأدب عن عبد الله بن سويد من قوله. وأخرج نحوه أيضا ابن سعد عن سويد بن النعمان. وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وأبو داود وابن مردويه والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال : إنه لم يؤمن بها أكثر الناس : يعني آية الإذن ، وإني لآمر جاريتي هذه ، ـ لجارية قصيرة قائمة على رأسه ـ أن تستأذن عليّ. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس ،