الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً) الجعل هنا لمعنى القول والحكم على الشيء كما تقول : جعلت زيدا أفضل الناس ، أي : قلت بذلك وحكمت له به. قرأ الكوفيون (عِبادُ) بالجمع ، وبها قرأ ابن عباس. وقرأ الباقون «عند الرحمن» بنون ساكنة ، واختار القراءة الأولى أبو عبيد ، لأن الإسناد فيها أعلى ، ولأن الله إنما كذبهم في قوله : إنهم بنات الله فأخبرهم أنهم عباده ، ويؤيد هذه القراءة قوله : (بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ) (١) واختار أبو حاتم القراءة الثانية ، قال : وتصديق هذه القراءة قوله : (إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ) (٢). ثم وبخهم وقرعهم فقال : (أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ) أي : أحضروا خلق الله إياهم فهو من الشهادة التي هي الحضور ، وفي هذا تهكّم بهم وتجهيل لهم. وقرأ الجمهور (أَشَهِدُوا) على الاستفهام بدون واو. وقرأ نافع «أو شهدوا». وقرأ الجمهور (سَتُكْتَبُ شَهادَتُهُمْ) بضم التاء الفوقية وبناء الفعل للمفعول ورفع شهادتهم ، وقرأ السلمي وابن السميقع وهبيرة عن حفص بالنون ، وبناء الفعل للفاعل ونصب شهادتهم ، وقرأ أبو رجاء «شهاداتهم» بالجمع ، والمعنى : سنكتب هذه الشهادة التي شهدوا بها في ديوان أعمالهم لنجازيهم على ذلك (وَيُسْئَلُونَ) عنها يوم القيامة (وَقالُوا لَوْ شاءَ الرَّحْمنُ ما عَبَدْناهُمْ) هذا فن آخر من فنون كفرهم بالله جاءوا به للاستهزاء والسخرية ، ومعناه : لو شاء الرحمن في زعمكم ما عبدنا هذه الملائكة ، وهذا كلام حقّ يراد به باطل ، وقد مضى بيانه في الأنعام ، فبين سبحانه جهلهم بقوله : (ما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ) أي : ما لهم بما قالوه من أن الله لو شاء عدم عبادتهم للملائكة ما عبدوهم من علم ، بل تكلموا بذلك جهلا ، وأرادوا بما صورته صورة الحقّ باطلا ، وزعموا أنه إذا شاء فقد رضي. ثم بين انتفاء علمهم بقوله : (إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ) أي : ما هم إلا يكذبون فيما قالوا ، ويتمحلون تمحلا باطلا. وقيل : الإشارة بقوله : (بِذلِكَ) إلى قوله : (وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً). قاله قتادة ، ومقاتل ، والكلبي ، وقال مجاهد ، وابن جريج : أي ما لهم بعبادة الأوثان من علم.
وقد أخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : إن أول ما خلق الله من شيء القلم ، وأمره أن يكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة ، والكتاب عنده ، ثم قرأ : (وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ). وأخرج ابن مردويه نحوه عن أنس مرفوعا. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله : (أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً) قال : أحببتم أن يصفح عنكم ولم تفعلوا ما أمرتم به. وأخرج مسلم ، وأبو داود ، والترمذي ، والنسائي ، والحاكم ، وابن مردويه عن ابن عمر : أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم كان إذا سافر ركب راحلته ثم كبر ثلاثا ثم قال (سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ وَإِنَّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ). وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : (وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ) قال : مطيقين. وأخرج عبد ابن حميد عنه (أَوَمَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ) قال : هو النساء فرق بين زيّهن وزي الرجال ونقصهنّ من الميراث وبالشهادة وأمرهنّ بالقعدة وسماهنّ الخوالف. وأخرج سعيد بن منصور ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والحاكم وصححه ، عن سعيد بن جبير قال : كنت أقرأ هذا الحرف «الذين هم عند الرّحمن إناثا»
__________________
(١). الأنبياء : ٢٦.
(٢). الأعراف : ٢٠٦.