قرأ الجمهور (أُمَّةٍ) بضم الهمزة ، وقرأ مجاهد ، وقتادة ، وعمر بن عبد العزيز بكسرها. قال الجوهري : والإمة بالكسر : النعمة ، والإمة : أيضا لغة في الأمة ، ومنه قول عديّ بن زيد :
ثمّ بعد الفلاح والملك والإمة |
|
وارتهم هناك قبور |
ثم أخبر سبحانه أن غير هؤلاء من الكفار قد سبقهم إلى هذه المقالة وقال بها فقال : (وَكَذلِكَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قالَ مُتْرَفُوها إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ) مترفوها : أغنياؤها ورؤساؤها ، قال قتادة : مقتدون متبعون ، ومعنى الاهتداء والاقتداء متقارب ، وخصص المترفين تنبيها على أن التنعم هو سبب إهمال النظر. ثم أمر الله سبحانه رسوله صلىاللهعليهوسلم أن يردّ عليهم ، فقال : (قالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آباءَكُمْ) أي : أتتبعون آباءكم ؛ ولو جئتكم بدين أهدى من دين آبائكم ، قال الزجاج : المعنى قل لهم أتتبعون ما وجدتم عليه آباءكم وإن جئتكم بأهدى منه. قرأ الجمهور «قل أولو جئتكم» وقرأ ابن عامر وحفص (قالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ) وهو حكاية لما جرى بين المنذرين وقومهم ، أي : قال كلّ منذر من أولئك المنذرين لأمته ، وقيل : إن كلا القراءتين حكاية لما جرى بين الأنبياء وقومهم ، كأنه قال : لكل نبيّ قل ، بدليل قوله : (قالُوا إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ) وهذا من أعظم الأدلة الدالة على بطلان التقليد وقبحه ، فإن هؤلاء المقلدة في الإسلام إنما يعملون بقول أسلافهم ، ويتبعون آثارهم ، ويقتدون بهم ، فإذا رام الداعي إلى الحق أن يخرجهم من ضلالة أو يدفعهم عن بدعة قد تمسكوا بها وورثوها عن أسلافهم بغير دليل نير ولا حجة واضحة ، بل بمجرّد قال ، وقيل : لشبهة داحضة ، وحجة زائفة ، ومقالة باطلة ، قالوا بما قاله المترفون من هذه الملل : إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون ، أو بما يلاقي معناه معنى ذلك ، فإن قال لهم الداعي إلى الحقّ : قد جمعتنا الملة الإسلامية وشملنا هذا الدين المحمدي ، ولم يتعبدنا الله ولا تعبدكم ولا تعبد آباءكم من قبلكم إلّا بكتابه الذي أنزله على رسوله وبما صحّ عن رسوله ، فإنه المبين لكتاب الله الموضح لمعانيه ، الفارق بين محكمه ومتشابهه ، فتعالوا نردّ ما تنازعنا فيه إلى كتاب الله وسنة رسوله كما أمرنا الله بذلك في كتابه بقوله : (فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ) (١) فإن الردّ إليهما أهدى لنا ولكم من الردّ إلى ما قاله أسلافكم ودرج عليه آباؤكم ، نفروا نفور الوحوش ، ورموا الداعي لهم إلى ذلك بكل حجر ومدر ، كأنهم لم يسمعوا قول الله سبحانه : (إِنَّما كانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا) (٢) ولا قوله : (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) (٣) فإن قال لهم القائل : هذا العالم الذي تقتدون به وتتبعون أقواله هو مثلكم في كونه متعبدا بكتاب الله وسنة رسوله ، مطلوبا منه ما هو مطلوب منكم ، وإذا عمل برأيه عند عدم وجدانه للدليل ، فذلك رخصة له لا يحلّ أن يتبعه غيره عليها ، ولا يجوز لهم العمل بها ، وقد وجدوا الدليل الذي لم يجده ، وها أنا أوجدكموه في كتاب الله ، أو فيما صحّ من سنة رسوله ، وذلك أهدى لكم مما وجدتم عليه آباءكم ، قالوا : لا نعمل بهذا ولا سمع لك ولا طاعة ، ووجدوا في صدورهم أعظم
__________________
(١). النساء : ٥٩.
(٢). النور : ٥١.
(٣). النساء : ٦٥.