سورة الفرقان
وهي مكية كلها في قول الجمهور ، وكذا أخرجه ابن الضريس والنحاس وابن مردويه من طرق عن ابن عباس. وأخرجه ابن مردويه عن ابن الزبير. قال القرطبي : وقال ابن عباس وقتادة : إلا ثلاث آيات منها نزلت بالمدينة. وهي : (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ) الآيات. وأخرج مالك والشافعي والبخاري ومسلم وابن حيان والبيهقي في سننه عن عمر بن الخطاب قال : سمعت هشام بن حكيم يقرأ سورة الفرقان في حياة رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فاستمعت لقراءته ، فإذا هو يقرأ على حروف كثيرة لم يقرئنيها رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فكدت أساوره في الصلاة فتصبرت حتى سلم فلببته بردائه ، فقلت : من أقرأك هذه السورة التي سمعتك تقرأ؟ قال : أقرأنيها رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فقلت : كذبت فإن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أقرأنيها على غير ما قرأت ، فانطلقت به أقوده إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقلت : إنّي سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على حروف لم تقرئنيها ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «أرسله ، أقرئنا هشام» فقرأ عليه القراءة التي سمعته يقرأ ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «كذلك أنزلت» : ثم قال : «أقرئنا عمر» ، فقرأت القراءة التي أقرأني ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «كذلك أنزلت. إنّ هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف ، فاقرؤوا ما تيسّر منه».
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً (١) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً (٢) وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَياةً وَلا نُشُوراً (٣) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذا إِلاَّ إِفْكٌ افْتَراهُ وَأَعانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جاؤُ ظُلْماً وَزُوراً (٤) وَقالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (٥) قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (٦))
تكلم سبحانه في هذه السورة على التوحيد لأنه أقدم وأهمّ ، ثم في النبوّة لأنها الواسطة ، ثم في المعاد ، لأنه الخاتمة. وأصل تبارك : مأخوذ من البركة ، وهي النماء والزيادة ، حسية كانت أو عقلية. قال الزجاج : تبارك تفاعل ، من البركة. قال : ومعنى البركة : الكثرة من كل ذي خير ، وقال الفراء : إن تبارك وتقدّس في العربية واحد ، ومعناهما : العظمة. وقيل المعنى : تبارك عطاؤه ، أي : زاد وكثر ، وقيل المعنى : دام وثبت. قال النحاس : وهذا أولاها في اللغة ، والاشتقاق من برك الشيء : إذا ثبت ، ومنه : برك الجمل ، أي : دام وثبت. واعترض ما قاله الفراء بأن التقديس إنما هو من الطهارة ، وليس من ذا في شيء. قال العلماء :