وقوله : (فِي صَرَّةٍ) في محل نصب على الحال (فَصَكَّتْ وَجْهَها) أي : ضربت بيدها على وجهها ؛ كما جرت بذلك عادة النساء عند التعجب. قال مقاتل والكلبي : جمعت أصابعها فضربت جبينها تعجّبا ، ومعنى الصكّ : ضرب الشيء بالشيء العريض ، يقال صكّه ، أي : ضربه (وَقالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ) أي : كيف ألد وأنا عجوز عقيم؟ استبعدت ذلك لكبر سنها ، ولكونها عقيما لا تلد (قالُوا كَذلِكَ قالَ رَبُّكِ) أي : كما قلنا لك وأخبرناك قال : ربك فلا تشكّي في ذلك ولا تعجبي منه ، فإن ما أراده الله كائن لا محالة ولم نقل ذلك من جهة أنفسنا ، وقد كانت إذ ذاك بنت تسع وتسعين سنة ، وإبراهيم ابن مائة سنة ، وقد سبق بيان هذا مستوفى ، وجملة (إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ) تعليل لما قبلها ، أي : حكيم في أفعاله وأقواله ، عليم بكل شيء ، وجملة (قالَ فَما خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ) مستأنفة جوابا عن سؤال مقدّر ، كأنه قيل : فماذا قال إبراهيم بعد هذا القول من الملائكة ، والخطب : الشأن والقصة ، والمعنى : فما شأنكم وما قصّتكم أيها المرسلون من جهة الله ، وما ذاك الأمر الّذي لأجله أرسلكم سوى هذه البشارة (قالُوا إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ) يريدون قوم لوط (لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ طِينٍ) أي : لنرجمهم بحجارة من طين متحجّر ، وانتصاب (مُسَوَّمَةً) على الصفة لحجارة ، أو على الحال في الضمير المستكن في الجار والمجرور ، أو من الحجارة لكونها قد وصفت بالجار والمجرور ، ومعنى : (مُسَوَّمَةً) معلّمة بعلامات تعرف بها ، وقيل : كانت مخطّطة بسواد وبياض ، وقيل : بسواد وحمرة ، وقيل : معروفة بأنها حجارة العذاب ، وقيل : مكتوب على كل حجر من يهلك بها ، وقوله : (عِنْدَ رَبِّكَ) ظرف لمسومة ، أي : معلمة عنده (لِلْمُسْرِفِينَ) المتمادين في الضّلالة المجاوزين الحدّ في الفجور. وقال مقاتل : للمشركين ، والشرك أسرف الذنوب وأعظمها (فَأَخْرَجْنا مَنْ كانَ فِيها مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) هذا كلام من جهة الله سبحانه ، أي : لما أردنا إهلاك قوم لوط أخرجنا من كان في قرى قوم لوط من قومه المؤمنين به (فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) أي : غير أهل بيت. يقال : بيت شريف ويراد به أهله ، وقيل : وهم أهل بيت لوط ، والإسلام : الانقياد والاستسلام لأمر الله سبحانه ، فكل مؤمن مسلم ، ومن ذلك قوله : (قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا) (١) وقد أوضح رسول الله صلىاللهعليهوسلم الفرق بين الإسلام والإيمان في الحديث في الصحيحين وغير هما ، الثابت من طرق ، أنه سئل عن الإسلام فقال : «أن تشهد أن لا إله إلا الله ، وتقيم الصلاة. وتؤتي الزكاة ، وتحجّ البيت ، وتصوم رمضان» ، وسئل عن الإيمان فقال : «أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله ، والقدر خيره وشره» (٢) فالمرجع في الفرق بينهما هو هذا الّذي قاله الصادق المصدوق ، ولا التفات إلى غيره مما قاله أهل العلم في رسم كل واحد منهما برسوم مضطربة مختلفة متناقضة ، وأما ما في الكتاب العزيز من اختلاف مواضع استعمال الإسلام والإيمان فذلك باعتبار المعاني اللغوية والاستعمالات العربية ، والواجب
__________________
(١). الحجرات : ١٤.
(٢). سقط من الحديث : واليوم الآخر.