إليه حاجة ، ولا دعت إليه ضرورة (إِذْ أَرْسَلْناهُ إِلى فِرْعَوْنَ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ) الظرف متعلق بمحذوف هو نعت لآية ، أي : كائنة وقت أرسلناه ، أو بآية نفسها ، والأوّل أولى. والسلطان المبين : الحجّة الظاهرة الواضحة ، وهي العصي وما معه من الآيات (فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ) التولي : الإعراض ، والركن : الجانب. قاله الأخفش. والمعنى : أعرض بجانبه كما في قوله : (أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ) (١) قال الجوهري : ركن الشيء جانبه الأقوى ، وهو يأوي إلى ركن شديد ، أي : عزّ ومنعة. وقال ابن زيد ومجاهد وغير هما : الركن جمعه وجنوده الذين كان يتقوّى بهم ، ومنه قوله تعالى : (أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ) (٢) أي : عشيرة ومنعة ، وقيل : الركن : نفس القوّة ، وبه قال قتادة وغيره ، ومنه قول عنترة :
فما أوهى مراس الحرب ركني |
|
ولكن ما تقادم من زماني |
(وَقالَ ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ) أي : قال فرعون في حقّ موسى : هو ساحر أو مجنون ، فردّد فيما رآه من أحوال موسى بين كونه ساحرا أو مجنونا ، وهذا من اللعين مغالطة وإيهام لقومه ، فإنه يعلم أن ما رآه من الخوارق لا يتيسّر على يد ساحر ، ولا يفعله من به جنون. وقيل : إنّ «أو» بمعنى واو ، لأنه قد قال ذلك جميعا ولم يتردّد ، قاله المؤرّج والفرّاء ، كقوله : (وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً) (٣) (فَأَخَذْناهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِ) أي : طرحناهم في البحر ، وجملة (وَهُوَ مُلِيمٌ) في محل نصب على الحال ، أي : آت بما يلام عليه حين ادّعى الربوبية ، وكفر بالله ، وطغى في عصيانه (وَفِي عادٍ) أي : وتركنا في قصة عاد آية (إِذْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ) وهي التي لا خير فيها ولا بركة ، لا تلقح شجرا ولا تحمل مطرا ، إنما هي ريح الإهلاك والعذاب ، ثم وصف سبحانه هذه الريح فقال : (ما تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ) أي : ما تذر من شيء مرّت عليه من أنفسهم وأنعامهم وأموالهم إلا جعلته كالشيء الهالك البالي. قال الشاعر (٤) :
تركتني حين كفّ الدهر من بصري |
|
وإذ بقيت كعظم الرّمّة البالي |
وقال قتادة : إنه الّذي ديس من يابس النبات ، وقال السدّي وأبو العالية : إنه التراب المدقوق ، وقال قطرب : إنه الرماد ، وأصل الكلمة من رمّ العظم : إذا بلي فهو رميم ، والرّمة : العظام البالية (وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ) أي : وتركنا في قصة ثمود آية وقت قلنا لهم : عيشوا بالدنيا إلى حين وقت الهلاك ، وهو ثلاثة أيام ، كما في قوله : (تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ) (٥) (فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ) أي : تكبّروا عن امتثال أمر الله (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ) وهي كل عذاب مهلك. قرأ الجمهور : (الصَّاعِقَةُ) وقرأ عمر
__________________
(١). الإسراء : ٨٣.
(٢). هود : ٨٠.
(٣). هو جرير.
(٤). الإنسان : ٢٤.
(٥). هود : ٦٥.