فإنه كان لهم نعمة كفروها ، فانتصاب «جزاء» على العلّة ، وقيل : على المصدرية بفعل مقدّر ، أي : جازيناهم جزاء. قرأ الجمهور : (كُفِرَ) مبنيا للمفعول ، والمراد به نوح. وقيل : هو الله سبحانه ، فإنهم كفروا به وجحدوا نعمته. وقرأ يزيد بن رومان وقتادة ومجاهد وحميد وعيسى «كفر» بفتح الكاف والفاء مبنيا للفاعل ، أي : جزاء وعقابا لمن كفر بالله (وَلَقَدْ تَرَكْناها آيَةً) أي : السفينة تركها الله عبرة للمعتبرين ، وقيل : المعنى : ولقد تركنا هذه الفعلة التي فعلناها بهم عبرة وموعظة (فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) أصله مذتكر ، فأبدلت التاء دالا مهملة ، ثم أبدلت المعجمة مهملة لتقاربهما ، وأدغمت الدال في الذال والمعنى : هل من متّعظ ومعتبر يتّعظ بهذه الآية ويعتبر بها (فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ) أي : إنذاري. قال الفراء : الإنذار والنذر مصدران ، والاستفهام للتهويل والتعجيب ، أي : كانا على كيفية هائلة عجيبة لا يحيط بها الوصف ، وقيل : نذر جمع نذير ، ونذير بمعنى الإنذار ، كنكير بمعنى الإنكار (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ) أي : سهّلناه للحفظ ، وأعنّا عليه من أراد حفظه ، وقيل : هيّأناه للتذكّر والاتعاظ (فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) أي : متّعظ بمواعظه ومعتبر بعبره. وفي الآية الحث على درس القرآن ، والاستكثار من تلاوته ، والمسارعة في تعلمه. ومدكر أصله مذتكر كما تقدّم قريبا.
وقد أخرج البخاري ومسلم وغير هما عن أنس : «أن أهل مكة سألوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن يريهم آية ، فأراهم القمر شقتين حتى رأوا حراء بينهما». وروي عنه من طريق أخرى عند مسلم والترمذي وغيرهم قال : فنزلت (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ) وأخرج البخاري ومسلم وغير هما عن ابن مسعود قال : «انشقّ القمر على عهد رسول الله صلىاللهعليهوسلم فرقتين ، فرقة فوق الجبل ، وفرقة دونه ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : اشهدوا» وأخرج عبد بن حميد ، والحاكم ، وصحّحه ، وابن مردويه ، والبيهقي في الدلائل ، عنه قال : رأيت القمر منشقا شقتين مرّتين ، مرّة بمكة قبل أن يخرج النبيّ صلىاللهعليهوسلم ؛ شقة على أبي قبيس ، وشقة على السويداء ... وذكر أن هذا سبب نزول الآية. وأخرج أحمد وعبد بن حميد ، والحاكم وصحّحه ، وابن مردويه وأبو نعيم عنه أيضا قال : رأيت القمر وقد انشقّ ، وأبصرت الجبل بين فرجتي القمر. وله طرق عنه. وأخرج البخاري ومسلم وغير هما عن ابن عباس قال : انشقّ القمر في زمن النبيّ صلىاللهعليهوسلم. وله طرق عنه. وأخرج مسلم والترمذي وغير هما عن ابن عمر في قوله : (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ) قال : كان ذلك على عهد رسول الله صلىاللهعليهوسلم انشقّ فرقتين : فرقة من دون الجبل ، وفرقة خلفه ، فقال النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، اللهم أشد ، وأخرج أحمد وعبد بن حميد والترمذي وابن جرير ، والحاكم وصحّحه ، وابن مردويه وأبو نعيم والبيهقي عن جبير بن مطعم عن أبيه في قوله : (وَانْشَقَّ الْقَمَرُ) قال : انشقّ القمر ونحن بمكة على عهد رسول الله صلىاللهعليهوسلم حتى صار فرقة على هذا الجبل وفرقة على هذا الجبل ، فقال الناس : سحرنا محمد ، فقال رجل : إن كان سحركم فإنه لا يستطيع أن يسحر الناس كلهم. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد ، وعبد الله بن أحمد في زوائد الزهد ، وابن جرير وابن مردويه وأبو نعيم عن أبي عبد الرّحمن السلمي قال : «خطبنا حذيفة بن اليمان بالمدائن ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : اقتربت الساعة وانشقّ القمر ، ألا وإن الساعة قد اقتربت ، ألا وإن القمر قد انشقّ على عهد رسول