والمراد بسجودهما انقياد هما لله تعالى انقياد الساجدين من المكلفين. وقال الفراء : سجودهما أنهما يستقبلان الشمس إذا طلعت ، ثم يميلان معها حين ينكسر الفيء. وقال الزجاج : سجودهما دوران الظل معهما ، كما في قوله : (يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ) (١) وقال الحسن ومجاهد : المراد بالنجم نجم السماء وسجوده طلوعه ، ورجّح هذا ابن جرير. وقيل : سجوده أفوله ، وسجود الشجر : تمكينها من الاجتناء لثمارها. قال النحاس : أصل السجود الاستسلام والانقياد لله ، وهذه الجملة والتي قبلها خبران آخران للرحمن ، وترك الرابط فيهما لظهوره ، كأنه قيل : الشمس والقمر بحسبانه ، والنجم والشجر يسجدان له (وَالسَّماءَ رَفَعَها) قرأ الجمهور بنصب السماء على الاشتغال. وقرأ أبو السمال بالرفع على الابتداء ، والمعنى : أنه جعل السماء مرفوعة فوق الأرض (وَوَضَعَ الْمِيزانَ) المراد بالميزان العدل ، أي : وضع في الأرض العدل الّذي أمر به ، كذا قال مجاهد وقتادة والسدي وغيرهم. قال الزجاج : المعنى أنه أمرنا بالعدل ، ويدل عليه قوله : (أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزانِ) أي : لا تجاوزوا العدل. وقال الحسن والضحاك : المراد به آلة الوزن ليتوصل بها إلى الإنصاف والانتصاف. وقيل : الميزان القرآن لأن فيه بيان ما يحتاج إليه ، وبه قال الحسين بن الفضل ، والأوّل أولى. ثم أمر سبحانه بإقامة العدل بعد إخباره للعباد بأنه وضعه لهم ، فقال : (وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ) أي : قوّموا وزنكم بالعدل ، وقيل : المعنى : أقيموا لسان الميزان بالعدل ، وقيل : المعنى : أنه وضع الميزان في الآخرة لوزن الأعمال ، و «أن» في قوله : (أَلَّا تَطْغَوْا) مصدرية ، أي : لئلا تطغوا ، و «لا» نافية ، أي : وضع الميزان لئلا تطغوا ، وقيل : هي مفسرة ، لأن في الوضع معنى القول ، والطغيان : مجاوزة الحد ، فمن قال : الميزان العدل ، قال : طغيانه الجور ، ومن قال : الميزان الآلة التي يوزن بها ، قال : البخس (وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزانَ) أي : لا تنقصوه ، أمر سبحانه أولا بالتسوية ، ثم نهى عن الطغيان الّذي هو المجاوزة للحد بالزيادة ، ثم نهى عن الخسران الّذي هو النقص والبخس. قرأ الجمهور : «تخسروا» بضم التاء وكسر السين من أخسر ، وقرأ بلال بن أبي بردة وأبان بن عثمان وزيد بن علي بفتح التاء والسين بن خسر ، وهما لغتان. يقال أخسرت الميزان وخسرته. ثم لما ذكر سبحانه أنه رفع السماء ذكر أنه وضع الأرض فقال : (وَالْأَرْضَ وَضَعَها لِلْأَنامِ) أي : بسطها على الماء لجميع الخلق ممّا له روح وحياة ، ولا وجه لتخصيص الأنام بالإنس والجنّ. قرأ الجمهور : بنصب الأرض على الاشتغال ، وقرأ أبو السمال بالرفع على الابتداء ، وجملة (فِيها فاكِهَةٌ) في محل نصب على أنها حال من الأرض مقدّرة ، وقيل : مستأنفة لتقرير مضمون الجملة التي قبلها ، والمراد بها كلّ ما يتفكّه به من أنواع الثمار. ثم أفرد سبحانه النخل بالذكر لشرفه ومزيد فائدته على سائر الفواكه ، فقال : (وَالنَّخْلُ ذاتُ الْأَكْمامِ) الأكمام : جمع كمّ بالكسر ، وهو وعاء التمر. قال الجوهري : والكمّ بالكسر والكمامة وعاء الطلع وغطاء النّور ، والجمع كمام وأكمّة وأكمام. قال الحسن : ذات الأكمام ، أي : ذات الليف ، فإن النخلة تكمّم بالليف وكمامها ليفها ، وقال ابن زيد : ذات الطلع قبل أن يتفتق. وقال عكرمة : ذات الأحمال. (وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحانُ) الحبّ : هو جميع ما يقتات من الحبوب والعصف. قال السديّ والفراء : هو بقل الزرع ،
__________________
(١). النحل : ٤٧.