سورة الأحقاف
وهي مكية. قال القرطبي : في قول جميعهم. وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس وابن الزبير قالا : نزلت سورة حم الأحقاف مكة. وأخرج ابن الضريس ، والحاكم وصحّحه ، عن ابن مسعود قال : أقرأني رسول الله صلىاللهعليهوسلم سورة الأحقاف وأقرأها آخر ، فخالف قراءته ، فقلت : من أقرأكها؟ قال : رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، والله لقد أقرأني رسول الله صلىاللهعليهوسلم غير ذا ، فأتينا رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فقلت : يا رسول الله ألم تقرئني كذا وكذا؟ قال : بلى ، وقال الآخر : ألم تقرئني كذا وكذا؟ قال بلى ، فتمعّر (١) وجه رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فقال : «ليقرأ كلّ واحد منكما ما سمع ، فإنما هلك من كان قبلكم بالاختلاف».
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(حم (١) تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (٢) ما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلاَّ بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ (٣) قُلْ أَرَأَيْتُمْ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَرُونِي ما ذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّماواتِ ائْتُونِي بِكِتابٍ مِنْ قَبْلِ هذا أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٤) وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعائِهِمْ غافِلُونَ (٥) وَإِذا حُشِرَ النَّاسُ كانُوا لَهُمْ أَعْداءً وَكانُوا بِعِبادَتِهِمْ كافِرِينَ (٦) وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ هذا سِحْرٌ مُبِينٌ (٧) أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللهِ شَيْئاً هُوَ أَعْلَمُ بِما تُفِيضُونَ فِيهِ كَفى بِهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (٨) قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ ما يُوحى إِلَيَّ وَما أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ مُبِينٌ (٩))
قوله : (حم ـ تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) قد تقدّم الكلام على هذا في سورة غافر وما بعدها مستوفى ، وذكرنا وجه الإعراب ، وبيان ما هو الحقّ ؛ من أن فواتح السور من المتشابه الذي يجب أن يوكل علمه إلى من أنزله (ما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما) من المخلوقات بأسرها (إِلَّا بِالْحَقِ) هو استثناء مفرّغ من أعمّ الأحوال ، أي : إلا خلقا ملتبسا بالحقّ الذي تقتضيه المشيئة الإلهية ، وقوله : (وَأَجَلٍ مُسَمًّى) معطوف على الحقّ ، أي : إلا بالحقّ ، وبأجل مسمّى على تقدير مضاف محذوف ، أي : وتقدير أجل مسمّى ، وهذا الأجل هو يوم القيامة ، فإنها تنتهي فيه السماوات والأرض وما بينهما ، وتبدّل الأرض
__________________
(١). «تمعّر الوجه» : تغيّر.