هُوَ فِي شَأْنٍ) انتصاب «كلّ» بالاستقرار الّذي تضمنه الخبر ، والتقدير : استقرّ سبحانه في شأنه كل وقت من الأوقات ، واليوم عبارة عن الوقت ، والشأن هو الأمر ، ومن جملة شؤونه سبحانه إعطاء أهل السماوات والأرض ما يطلبونه منه على اختلاف حاجاتهم وتباين أغراضهم. قال المفسرون : من شأنه أنه يحيي ويميت ، ويرزق ويفقر ، ويعزّ ويذلّ ، ويمرض ويشفي ، ويعطي ويمنع ، ويغفر ويعاقب ، إلى غير ذلك مما لا يحصى. وقيل : المراد باليوم المذكور هو يوم الدنيا ويوم الآخرة. قال ابن بحر : الدّهر كله يومان : أحدهما مدّة أيام الدنيا ، والآخر يوم القيامة. وقيل : المراد كل يوم من أيام الدنيا (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) فإن اختلاف شؤونه سبحانه في تدبير عباده نعمة لا يمكن جحدها ، ولا يتيسر لمكذّب تكذيبها (سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ) هذا وعيد شديد من الله سبحانه للجنّ والإنس. قال الزجاج والكسائي وابن الأعرابي وأبو علي الفارسي : إن الفراغ هاهنا ليس هو الفراغ من شغل ، ولكن تأويله القصد ، أي : سنقصد لحسابكم. قال الواحدي حاكيا عن المفسرين : إن هذا تهديد منه سبحانه لعباده ، ومن هذا قول القائل لمن يريد تهديده : إذن أتفرغ لك ، أي : أقصد قصدك ، وفرغ يجيء بمعنى قصد ، وأنشد ابن الأنباري قول الشاعر (١) :
ألان وقد فرغت إلى نمير |
|
فهذا حين كنت لها عذابا |
يريد : وقد قصدت ، وأنشد النحاس قول الشاعر (٢) :
فرغت إلى القين المقيّد في الحجل (٣)
أي : قصدت. وقيل : إن الله سبحانه وعد على التقوى وأوعد على المعصية ، ثم قال : سنفرغ لكم مما وعدناكم ونوصل كلا إلى ما وعدناه ، وبه قال الحسن ومقاتل وابن زيد ، ويكون الكلام على طريق التمثيل. قرأ الجمهور : (سَنَفْرُغُ) بالنون وضمّ الراء ، وقرأ حمزة والكسائي بالتحتية مفتوحة مع ضم الرّاء ، أي : سيفرغ الله ، وقرأ الأعرج بالنون مع فتح الراء. قال الكسائي : هي لغة تميم ، وقرأ عيسى الثقفي بكسر النون وفتح الراء ، وقرأ الأعمش وإبراهيم بضمّ الياء وفتح الراء على البناء للمفعول. وسمّى الجنّ والإنس ثقلين لعظم شأنهما بالنسبة إلى غير هما من حيوانات الأرض ، وقيل : سمّوا بذلك لأنهم ثقل على الأرض أحياء وأمواتا ، كما في قوله : (وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها) (٤) وقال جعفر الصادق : سيما ثقلين لأنهما مثقلان بالذنوب ، وجمع في قوله : (لَكُمْ) ثم قال : (أَيُّهَ الثَّقَلانِ) لأنهما فريقان ، وكل فريق جمع. قرأ الجمهور : بفتح الهاء ، وقرأ أهل الشام بضمها (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) فإن من جملتها ما في هذا التهديد من النعم ، فمن ذلك أنه ينزجر به المسيء عن إساءته ، ويزداد به المحسن إحسانا فيكون ذلك سببا للفوز بنعيم الدار الآخرة الّذي
__________________
(١). هو جرير.
(٢). هو جرير أيضا.
(٣). وصدره : ولمّا اتّقى القين العراقي باسته.
(٤). الزلزلة : ٢.