هو النعيم في الحقيقة (يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ) قدّم الجنّ هنا لكون خلق أبيهم متقدّما على خلق آدم ، ولوجود جنسهم قبل جنس الإنس (إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي : إن قدرتم أن تخرجوا من جوانب السماوات والأرض ونواحيهما هربا من قضاء الله وقدره (فَانْفُذُوا) منها وخلصوا أنفسكم ، يقال : نفذ الشيء من الشيء ؛ إذا خلص منه كما يخلص السهم (لا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطانٍ) أي : لا تقدرون على النفوذ إلا بقوّة وقهر ، ولا قوّة لكم على ذلك ولا قدرة ، والسلطان : القوّة التي يتسلّط بها صاحبها على الأمر ، والأمر بالنفوذ أمر تعجيز. قال الضحاك : بينما الناس في أسواقهم إذ انفتحت السماء ونزلت الملائكة فهرب الجنّ والإنس فتحدق بهم الملائكة ، فذلك قوله : (لا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطانٍ). قال ابن المبارك : إن ذلك يكون في الآخرة. وقال الضحاك أيضا : معنى الآية : إن استطعتم أن تهربوا من الموت فاهربوا. وقيل : إن استطعتم أن تعلموا ما في السماوات والأرض فاعلموه ، ولن تعلموه إلا بسلطان ، أي : ببينة من الله. وقال قتادة : معناها لا تنفذوا إلا بملك وليس لكم ملك. وقيل الباء بمعنى إلى ، أي : لا تنفذون إلا إلى سلطان (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) ومن جملتها هذه النعمة الحاصلة بالتحذير والتهديد ، فإنها تزيد المحسن إحسانا ، وتكفّ المسيء عن إساءته ، مع أن من حذّركم وأنذركم قادر على الإيقاع بكم من دون مهلة (يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُواظٌ مِنْ نارٍ) قرأ الجمهور : (يُرْسَلُ) بالتحتية مبنيا للمفعول ، وقرأ زيد بن عليّ بالنون ونصب (شُواظٌ). والشواظ : اللهب الّذي لا دخان معه. وقال مجاهد : الشواظ اللهب الأخضر المتقطع من النار. وقال الضحاك : هو الدخان الّذي يخرج من اللهب ليس بدخان الحطب. وقال الأخفش وأبو عمرو : هو النار والدخان جميعا. قرأ الجمهور : (شُواظٌ) بضم الشين ، وقرأ ابن كثير بكسرها وهما لغتان ، وقرأ الجمهور (وَنُحاسٌ) بالرفع عطفا على شواظ ، وقرأ ابن كثير وابن محيصن ومجاهد وأبو عمرو بخفضه عطفا على نار ، وقرأ الجمهور : (نُحاسٌ) بضمّ النون ، وقرأ مجاهد وعكرمة وحميد وأبو العالية بكسرها. وقرأ مسلم بن جندب والحسن «ونحس». والنحاس : الصّفر المذاب يصبّ على رؤوسهم ، قاله مجاهد وقتادة وغير هما. وقال سعيد بن جبير : هو الدخان الّذي لا لهب له ، وبه قال الخليل. وقال الضحاك : هو درديّ الزيت المغلي. وقال الكسائي : هو النار التي لها ريح شديدة ، وقيل : هو المهل (فَلا تَنْتَصِرانِ) أي : لا تقدران على الامتناع من عذاب الله (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) فإن من جملتها هذا الوعيد الّذي يكون به الانزجار عن الشرّ والرغوب في الخير (فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّماءُ) أي : انصدعت بنزول الملائكة يوم القيامة (فَكانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهانِ) أي : كوردة حمراء. قال سعيد بن جبير وقتادة : المعنى : فكانت حمراء ، وقيل : فكانت كلون الفرس الورد ، وهو الأبيض الّذي يضرب إلى الحمرة أو الصّفرة. قال الفراء وأبو عبيدة : تصير السماء كالأديم لشدّة حرّ النار. وقال الفراء أيضا : شبّه تلوّن السماء بتلوّن الورد من الخيل ، وشبّه الورد في ألوانها بالدهن واختلاف ألوانه. والدهان : جمع دهن ، وقيل : المعنى تصير السماء في حمرة الورد ، وجريان الدهن ، أي : تذوب مع الانشقاق حتى تصير حمراء من حرارة نار جهنم ، وتصير مثل الدهن لذوبانها ، وقيل : الدهان : الجلد الأحمر. وقال الحسن : (كَالدِّهانِ) أي : كصبيب